التفاسير

< >
عرض

إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً
٣
إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً
٤
-الإنسان

روح البيان في تفسير القرآن

{ انا هديناه السبيل } مرتب على ما قبله من اعطاء الحواس فانه استئناف تعليلى لجعله سميعا بصيرا يعنى ان اعطاء الحواس الظاهرة والباطنة والتحلى بها متقدم على الهداية والمعنى أريناه وعرفناه طريق الخير والشر والنجاة والهلاك بانزال الآيات ونصب الدلائل كما قال وهديناه النجدين اى بينا له طريق الخير والشر فان النجد الطريق الواضح المرتفع فالمراد بالهداية مجرد الدلالة لا الدلالة الموصلة الى البغية كما فى بعض التفاسير { اما شاكرا واما كفورا } حالا من مفعول هديناه قال فى الارشاد اى مكناه وأقدرناه على سلوك الطريق الموصل الى البغية فى حالتيه جميعا فاما التفصيل ذى الحال فانه مجمل من حيث الدلالة على الاحوال لا يعلم ان المراد هدايته فى حال كفره او فى حال ايمانه وبالتفصيل تبين انها تعلقت به فى كل واحدة من الحالين فالشاكر الموحد والكفور الجاحد لان الشكر الاقرار بالمنعم ورأس الكفر ان جحوده ويقال شاكر النعمة وكفورها قال الراغب الكفور يقال فى كافر النعمة وكافر الدين جميعا ويجوز أن يكون اما للتقسيم بأن يعتبر ذو الحال من حيث انه مطلق وهو اللفظ الدال على الماهية من حيث هى ويجعل كل واحد من مدخولى اما قيدا له فيحصل بالتقييد بكل منهما قسم منه اى مقسوما اليهما بعضهم شاكر بالاهتدآء والاخذ فيه وبعضهم كفور بالاعراض عنه وايراد الكفور لمراعاة الفواصل اى رؤوس الآى والاشعار بأن الانسان قلما يخلوا من كفران ما وانما المؤاخذ عليه الكفر المفرط والشكور قليل منهم ولذا لم يقل اما شكورا واما كفورا واما شاكرا واما كافرا والحاصل ان الشاكر والكفور كنايتان عن المثاب والمعاقب ولما لم يكن مجرد الكفران مستلزما للمواخذة لم يصح أن يجعل كناية عنها بخلاف مجرد الشكر فإنه ملزوم الاثابة بمقتضى وعد الكريم فأدير أمر الاثابة على مطلق الشكر لا على المبالغة فيه كما ادير المؤآخذة على المبالغة فى الكفران لا على اصله وكل ذلك بمقتضى سعة رحمة الله وسبقها على غضبه وقرأ ابو السماك بفتح الهمزة فى اما وهى قرآءة حسنة والمعنى اما كونه شاكرا فبتوفيقنا واما كونه كفورا فبسوء اختياره وفى التأويلات النجمية انا خيرناه فى الاهتدآء الى سبيل الشكر المتعلق باليد اليمنى الجمالية او الى سبيل الكفر المتعلق باليد اليسرى الجلالية فاختار بعضهم سبيل الشكر من مقتضى حقائقهم واستعداداتهم الازلية واختار بعضهم سبيل الكفر من مقتضى حقائقهم وقابليتهم الازلية ايضا كما قال هؤلاء اهل الجنة ولا ابالى وهؤلاء اهل النار ولا ابالى اى المدح والذم يتعلق بهم لابى ولما ذكر الفريقين اتبعهما الوعيد والوعد فقال { انا اعتدنا } هيأنا فى الآخرة فان الاعتاد اعداد الشئ حتى يكون عتيدا حاضرا متى احتيج اليه { للكافرين } من افراد الانسان الذى هديناه السبيل { سلاسل } بها يقادون الى جهنم وفي كشف الاسرار اعتدنا للكافرين فى جهنم سلاسل كل سلسلة سبعون ذراعا وهو بغير تنوين فى قرآءة حفص واما الوقف فبالالف تارة وبدونها اخرى وتسلسل الشئ اضطرب كأنه تصور منه تسلسل وتردد فتردد لفظه تنبيه على تردد معناه ومنه السلسلة وفى القاموس السلسلة اى بالفتح ايصال الشئ بالشئ وبالكسر دآئرة من حديد ونحوه { واغلالا } بها يقيدون اهانة وتعذيبا لا خوفا من الفرار جمع غل بالضم وهو ما تطوق به الرقبة للتعذيب وقد سبق فى الحاقة مفصلا { وسعيرا } نارا بها يحرقون يعنى وآتشى آفروخته كه دران بيوسته بسوزند.
وانما يجرون الى جهنم بالسلاسل لعدم انقيادهم للحق ويحقرون بأن يقيدون بالاغلال لعدم تواضعهم لله ويحرقون بالنار لعدم احتراقهم بنار الخوف من الله تعالى وفيه اشارة الى ان الله تعالى اعد للمحجوبين عن الحق المشغولين بالخلق سلاسل التعلقات الظاهرة بحب الدنيا وطلبها واغلال العوآئق الباطنة بالرغبة اليها وفيها ونار جهنم البعد والطرد واللعن وتقديم وعيد الكافرين مع تأخرهم فى مقام الاجمال للجمع بينهما فى الذكر ولان الانذار أهم وأنفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين احسن على ان فى وصفهم تفصيلا ربما يخل تقديمه بتجاوب اطراف النظم الكريم.