التفاسير

< >
عرض

وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً
٨
-الإنسان

روح البيان في تفسير القرآن

{ ويطعمون الطعام على حبه } اى كائنين على حب الطعام والحاجة اليه ونحوه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون او على حب الاطعام فيطعمون بطيب النفس فالضمير الى مصدر الفعل كما فى قوله تعالى اعدلوا هو اقرب للتقوى او كائنين على حب الله او اطعاما كائنا على حبه تعالى وهو الانسب لما سيأتى من قوله لوجه الله فالمصدر مضاف الى المفعول والفاعل متروك اى على حبهم لله ويجوز ان يضاف الى الفاعل والمفعول متروك اى على حب الله الاطعام والطعام خلاف الشراب وقد يطلق على الشراب ايضا لان طعم الشئ ذوقه مأكولا او مشروبا والظاهر الخصوص وان جاز العموم. واعلم ان مجامع الطاعات محصورة فى امرين الطاعة لامر الله واليه الاشارة بقوله يوفون بالنذر والشفقة على خلق الله واليه الارادة بقوله ويطعمون الطعام فان الطعام وهو جعل الغير طعاما كناية عن الاحسان الى المحتاجين والمواساة معهم بأى وجه كان وان لم يكن ذلك بالطعام بعينه الا ان الاحسان بالطعام لما كان اشرف انواع الاحسان عبر عن جنس الاحسان باسم هذا النوع كما فى حواشى ابن الشيخ وقال بعض اهل المعرفة اى يتجردون عن المنافع المالية ويزكون انفسهم عن الرذائل خصوصا عن الشح لكون محبة المال اكثف الحجب فيتصفون بفضيلة الايثار وسد خلة الغير فى حال احتياجهم او يزكون انفسهم عن رذيلة الجهل فيطعمون الطعام الروحانى من الحكم والشرآئع على حب الله من ذكر من قوله { مسكينا } فقيرا لا شئ له عاجزا عن الكسب وبالفارسية درويش بى مايه.
وقال القاشانى المسكين الدائم السكون الى تراب البدن { ويتيما } طفلا لا أب له { واسيرا } الاسر الشد بالقد سمى الاسير بذلك ثم قيل لكل مأخوذ مقيد وان لم يكن مشدودا بذلك والمعنى واسيرا مأخوذا لا يملك لنفسه نصرا ولا حيلة اى اسير كان فانه عليه السلام كان يوتى بالاسير فيدفعه الى بعض المسلمين فيقول احسن اليه لانه يجب الطعام الاسير الكافر والاحسان اليه فى دار الاسلام بما دون الواجبات عند عامة العلماء الى ان يرى الامام رأيه فيه من قتل او من او فداء او استرقاق فان القتل فى حال لا ينافى وجوب الاطعام فى حال اخرى ولا يجب اذا عوقب بوجه ان يعاقب بوجه آخر ولذا لا يحسن فيمن يلزمه القصاص ان يفعل به غير القتل والمعنى اسيرا مؤمنا فيدخل فيه المملوك عبدا او أمة وكذا المسبحون. يعنى مسبحون ازاهل فقركه درحقى ازحقوق مسلمين حبس كرده باشند. وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغريم أسيرا فقال غريمك اسيرك فأحسن الى أسيرك اى بالامهال والوضع عنه بعضا او كلا وهو كل الاحسان وفى الحديث
"من أنظر معسرا أو وضع له اظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله" اى حماه من حراراة القيامة وقيل الزوجة من الاسرآء فى يد الازواج لما قال عليه السلام "اتقوا الله فى النساء فانهن عوانى عندكم" والعانى الاسير وفى القاموس العوانى النساء لانهن يظلمن فلا ينتصرن وقال القاشانى الاسير المحبوس فى أسر الطبيعة وقيود صفات النفس وفى التأويلات النجمية ويطعمون طعام المعارف والحكم الالهية المحبوبة لهم مسكين السر لقرب انقياده تحت حكم الروح وذلته تحت عزته وتيتم القلب لبعد عهده ومكانه من أبيه الروح وأسير الاعضاء والجوارح المقيدين بقيود أحكام الشريعة وحبال آثار الطريقة انتهى.