التفاسير

< >
عرض

وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً
١٦
-النبأ

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجنات } ليتفكه بها الانسان والجنة فى الاصل هى السترة من مصدر جنه اذا ستره تطلق على النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف اغصانه وعلى الارض ذات الشجر قال الفرآء الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم والمراد هنا هو الاشجار لا الارض { الفافا } اى ملتفة تداخل بعضها فى بعض وهذا من محسنات الجنان كما ترى فى بساتين الدنيا وبالفارسية درهم بيجده يعنى بسيار ونيكديكر نزديك.
قالوا لا واحد له كالاوزاع والاخياف الاوزاع بمعنى الجماعات المتفرقة كالاخياف فانه ايضا بمعنى الجماعات المتفرقة المختلطة ومنه الاخياف للاخوة من آباء شتى وامهم واحدة او الواحد لف ككن واكنان او لفيف كشريف واشراف وهو جمع لف جمع لفاء كخضر وخضرآء فيكون ألفافا جمع الجمع او جمع ملتفة بحذف الزوآئد قال ابن الشيخ قدم ذا الحب لانه هو الاصل فى الغذآء وثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات اليه واخرت الجنات لانعدام الحاجة الضرورية الى الفواكه.
واعلم ان فيما ذكر من افعاله تعالى دلالة على صحة البعث وحقيته من وجوه ثلاثة الاول باعتبار قدرته تعالى فان من قدر على انشاء هذه الافعال البديعة من غير مثال يحتذيه وقانون ينتحيه كان على الاعادة اقدر وأقوى والثانى باعتبار علمه وحكمته فان من ابدع هذه المصنوعات على نمط رآئق مستتبع لغايات جليلة ومنافع جملية عائدة على الخلق يستحيل ان يفنيها بالكلية ولا يجعل لها عاقبة باقية والثالث باعتبار نفس الفعل فان اليقظة بعد النوم انموذج للبعث بعد الموت يشاهدونها كل يوم وكذا اخراج الحب والنبات من الارض الميتة يعاينونه كل حين كأنه قيل ألم تفعل هذه الافعال الآفاقية والانفسية الدالة بفنون الدلالات على حقية البعث الموجبة للايمان به فما لكم تخوضون فيه انكارا وتتساءلون عنه استهزآء وفى التأويلات النجمية وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا اى من سموات الارواح بتحريك نفحات الالطاف مياه العلوم الذاتية والحكم الربانية صباصبا لنخرج به حبا ونباتا اى انزلنا من سحائب سموات ارواحكم على ارض قلوبكم ماء العلوم والحكم لنخرج به حب المحبة الذاتية ونبت الشوق والاشتياق والود والانزعاج والعشق وامثالها وجنات ألفافا جنة المحبة وجنة المودة وجنة العشق ملتف بعضها ببعض.