التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً
١٨
-النبأ

روح البيان في تفسير القرآن

{ يوم ينفخ فى الصور } بدل من يوم الفصل او عطف بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله ولا ضير فى تأخر الفصل عن النفخ فانه زمان ممتد يقع فى مبدئه النفخة وفى بقيته الفصل ومباديه وآثاره والنفخ نفخ الريح فى الشئ ومنه نفخ الروح فى النشأة الاولى كما قال ونفخت فيه من روحى ويقال انتفخ بطنه ومنه استعير انتفخ النهار اذا ارتفع ورجل منفوخ اى سمين والصور القرن النورانى والنافخ فيه اسرافيل عليه السلام والمعنى يوم ينفخ فى الصور نفخة ثانية للبعث حتى تتصل الارواح بالاجساد وترجع بها الى الحياة { فتأتون } خطاب عام والفاء فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليه وايذانا بغاية سرعة الاتيان كما فى قوله تعالى { فقلنا اضرب بعصاك البحر } فانلفلق اى فتبثعون من قبوركم فتأتون الى الموقف عقيب ذلك من غير لبث اصلا { افواجا } جمع فوج وهو جماعة من الناس فى المفردات الجماعة المارة المسرعة اى حال كونكم امما كل امة مع امامها كما فى قوله تعالى { يوم ندعو كل اناس بأمامهم } او زمرا وجماعات مختلفة الاحوال متباينة الاوضاع حسب اختلاف اعمالهم وتباينها عن معاذ رضى الله عنه انه سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام "يا معاذ سألت عن امر عظيم من الامور" ثم ارسل عينية وقال "تحشر عشرة اصناف من امتى بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون ارجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها" يعنى نكونساران كه ايشانرا بروى بدوزخ ميكشند. "وبعضهم عمى وبعضهم صم بكم وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهى مدلاة على صدورهم يسيل القيح من افواههم يتقذرهم اهل الجمع وبعضهم مقطعة ايديهم وأرجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار" يعنى بردارهاى آتشين آويخته. "وبعضهم اشد نتنا من الجيف وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم فاما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس" وهو بالضم جمع قات بالتشديد بمعنى النمّام يعنى سخن يحين (حكى) ان رجلا باع عبدا وقال للمشترى ما فيه عيب الا النميمة فقال رضيت فاشتراه فمكث الغلام اياما ثم قال لزوجة مولاه ان زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك فخذى الموسى واحلقى من قفاه حين ينام شعرات حتى اسحر عليك فيحبك ثم قال للزوج ان امرأتك أخذت خليلا وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف فتناوم فجاءت المرأة بالموس فظن انها تقتله فقام فقتلها فجاء اهل المرأة فقتلوا الزوج فوقع القتال بين القبيلتين وطال الامر "واما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت اى الحرام لانه يسحت الدين والمروءة اى يستأصل واما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا والتنكيس تعكيس هيئة القيام على الرجل بأن يجعل الرجل اعلى والرأس أسفل" وبالفارسية نكو نسار كردن. "واما العمى فالذين يجورون فى الحكم واما البكم فالمعجبون باعمالهم واما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم اعمالهم واما الذين قطعت ايديهم وارجلهم فهم الذين يؤذون جيرانهم واما المصلبون على جذوع من النار فالسعادة بين الناس الى السلطان" يعنى غمازان وسعايت كنندكان بسلاطين وملوك. "واما الذين هم اشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ويمنعون حق الله فى اموالهم واما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء" جمع جبة وهو ثوب معروف وفى الحديث نشر على ترتيب اللف وبيان المناسبة بين معاصيهم وبين الصور التى يحشرون عليها يطلب من علم التعبير ثم انه فصل هيئات اهل المعاصى مع الاسباب المؤدية اليها لانه اهم اذ التخلية قبل التحلية واكتفى بالاشارة الاجمالية الى هيئات الصالحين بقوله من امتى بمن التبعيضية والحاصل انه كما ان الاشقياء يحشرون على صور اعمالهم القبيحة كذلك السعدآء يحشرون على صور اعمالهم الحسنة حتى يكون وجوه بعضهم كالقمر ليلة البدر او كالشمس على ما جاء فى صحيح الروايات وقال بعضم المراد امة الدعوة فتعم اصناف الكفرة والمؤمنين لا امة الاجابة والا فالخوف على المؤمنين ايضا فى نهاية المرتبة.
يقول الفقير الظاهر الثانى وهو ان المراد من الامة الاشقياء من اهل الاجابة دل عليه ارساله عليه السلام عينيه حين البيان وكذا بيان اصناف الاعمال من غير ادخال الكفر فيها اذ صور الكفرة اقبح مما ذكر فى الحديث على ما ذكر فى الاخبار الصحيحة ثم الحديث ذكره الثعلبى ونحوه فى التفاسير وقبله الطرفين ولا عبرة بما ذهب اليه ابن حجر من انه ظاهر الوضع فانه من الجهل بحقيقة الامر اذ يوم القيامة يوم ظهور الصفات كما دل عليه قوله تعالى
{ يوم تبلى السرآئر } ولا شك ان لكل صفة صورة مناسبة لها حسنة او قبيحة ولم ينكره احد من العقلاء على انا وان سلمنا ان لفظ الحديث موضوع فمعناه صحيح مؤيد بالاخبار الصحيحة فيا أيها المؤمن لا تكن قاسى القلب كالحجر وكن ممن يتفجر من قلبه انهار الفيوض وينابيع الحكم واجتهد أن لا تكون ممن قيل فيه حفظت شيأ وغابت عنك اشياء فمن عباد الله المخلصين من يأخذ من الله بلا واسط الكتاب واسناده فانه مرتبة باقية الى يوم القيامة قل من وضع قدمه عليها فلذا كثر الانكار وأكب الناس على الرسوم والظواهر من غير اطلاع على الحقائق والبواطن نسأل الله تعالى أن يجعلنا من اهل معرفته.