التفاسير

< >
عرض

وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً
٢٠
-النبأ

روح البيان في تفسير القرآن

{ وسيرت الجبال } المسير هو الله تعالى كما قال { ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة } اى وسيرت الجبال فى الجو بتسيير الله وتسخيره على هيئاتها بعد قلعها عن مقرها وبالفارسية ورانده شود كوهها درهوا. وذلك عند حشر الخلائق بعد النفخة الثانية ليشاهدوها ثم يفرقها فى الهوآء وذلك قوله تعالى { فكانت سرابا } السراب ما تراه نصف النهار كأنه ماء قال الراغب هو اللامع فى المفازة كالماء لا نسرابه فى مرأى العين اى ذهابه وجريانه وكأن السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة اى فصارت بتسييرها مثل السراب اى شيأ كلا شئ لتفرق اجزائها وانبثات جواهرها كقوله تعالى { وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا } اى غبارا منتشرا وهى وان اندكت وانصدعت عند النفخة الاولى لكن تسييرها كالسحاب وتسوية الارض انما يكونان بعد النفخة الثانية قيل اول احوال الجبال الاندكاك والانكسار كما قال تعالى { وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة } وحالتها الثانية أن تصير كالعهن المنفوش وحالتها الثالثة أن تصير كالهباء وذلك بأن تنقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن كما قال فكانت هباء منبثا وحالتها الرابعة أن تنسف وتقلع من اصولها لانها مع الاحوال المتقدمة غارة فى مواضعها والارض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بارسال الرياح عليها وهو المراد من قوله { فقل ينسفها ربى نسفا } حالتها الخامسة ان الرياح ترفعها عن وجه الارض فتطيرها فى الهوآء كأنها غبار وهو المراد بقوله تعالى { وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب } اى تراها فى رأى العين ساكنة فى اماكنها والحال انها تمر مر السحاب التى تسيرها الرياح سيرا حثيثا وذلك ان الاجرام اذا تحركت نحوا من الانحاء لا تكاد تتبين حركتها وان كانت فى غاية السرعة لا سيما من بعيد والحالة السادسة أن تصير سرابا يقول الفقير فيه اشارة الى ازالة انانية النفوس وتعيناتها فانها عند القيامة الكبرى التى هى عبارة عن الفناء فى الله تصير سرابا حتى اذا جئتها لم تجدها شيأ ولكن العوام المحجوبون اذا رأوا اهل الفناء يأكلون مما يأكلون منه ويشربون مما يشربون منه يظنون ان نفوسهم باقية لبقاء نفوسهم لكنهم يظنون بهم الظن السواء اذ بينهم وبينهم بون بعيد قطعا وفاروق عظيم جدا لانهم ازالت رياح العناية والتوفيق جبال نفوسهم عن مقار أرض البشرية وجعلها الله متلاشية وفتحت سماء ارواحهم فكانت ابوابا كباب السر والخفى والأخفى فدخلوا من هذه الابواب الى مقام او أدنى فكانوا مع الحق حيث كان الحق معهم ثم نزلوا من هذه الابواب العالية الحقيقة الناظرة الى عالم الولاية فدخلوا فى ابواب العقل والقلب والمتخيلة والمفكرة والحافظة والذاكرة فكانوا فى مقام قاب قوسين مع الخلق حيث كان الخلق معهم فلم يحتجبوا بالخلق عن الحق الذى هو جانب الولاية ولا بالحق عن الخلق الذى هو جانب النبوة فكانوا فى الظاهر مصداق قوله تعالى يوحى الى فأين المحجوبون عن مقامهم وانى لهم ادراك شأنهم وحقيقة امرهم.