التفاسير

< >
عرض

جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً
٣٦
-النبأ

روح البيان في تفسير القرآن

{ جزآء من ربك } مصدر مؤكد منصوب بمعنى ان للمتقين مفازا فانه فى قوة ان يقال جازى المتقين بمفاز جزآء عظيما كائنا من ربك على ان التنوين للتعظيم { عطاء } اى تفضلا واحسانا منه تعالى اذ لا يجب عليه شئ وذلك ان الله تعالى جعل الشئ الواحد جزآء وعطاء وهو غير ظاهر لان كونه جزآء يستدعى ثبوت الاستحقاق وكونه عطاء يستدعى عدم الاستحقاق فالجمع بينهما جمع بين المتنافيين لكن ذلك الاستحقاق انما يثبت بحكم الوعد لا من حيث ان الطاعة توجب الثواب على الله فذلك الثواب بالنظر الى وعده تعالى اياه بمقابلة الطاعة يكون جزآء وبالنظر الى انه لا يجب على الله لا حد شئ يكون تفضلا وعطاء وهذا بمقابلة قوله جزآء وفاقا لان جزآء المؤمنين من قبيل الفضل لتضاعفه وجزآء الكافرين من قبيل العدل وهو بدل من جزآء بدل الكل من الكل لان العطاء والجزآء متحدان ذاتا وان تغايرا فى المفهوم وفى جعله بدلا من جزآء نكته لطيفة وهى ان بيان كونه عطاء تفضلا منه هو المقصود وبيان كونه جزآء وسيلة اليه فان حق البدل ان يكون مقصودا بالنسبة وذكر المبدل منه وسيلة اليه { حسابا } صفة لعطاء بمعنى كافيا على انه مصدر اقيم مقام الوصف اى محسبا وقيل على حسب اعمالهم بأن يجازى كل عمل بما وعد له من الاضعاف من عشرة وسبعمائة وغير حساب فما وعده الله من المضاعفة داخل فى الحسب اى المقدار لان الحسب بفتح السين وسكونها بمعنى القدر والتقدير على هذا عطاء بحساب فحذف الجار ونصب الاسم قال بعض اهل المعرفة اذا كان الجزآء من الله لا يكون له نهاية لانه لا يكون على حد الاعواض بل يكون فوق الحد لانه ممن لا حد له ولا نهاية فعطاؤه لا حد له ولا نهاية وقال بعضهم العطاء من الله موضع الفضل لا موضع الجزاء فالجزاء على الاعمال والفضل موهبة من الله يختص به الخواص من اهل وداده وفى التأويلات النجمية ان للمتقين الذين يتقون عن نفوسهم المظلمة المدلهمة بالله وصفاته وأسمائه مفازا اى فوز ذات الله وصفاته حدآئق روضات القلوب المنزهة الارضية واعنابا اشجار المعانى والحقائق المثمرة عنب خمر المحبة الذاتية الخامرة عين العقل عن شهود الغير والغيرية وكواعب اترابا ابكارا اللطائف والمعارف وكأسا دهاقا مملوءة من شراب المحبة وخمر المعرفة لا يسمعون فيها لغوا من الهواجس النفسانية ولا كذابا من الوساوس الشيطانية جزآء من ربك عطاء حسابا اى فضلا تاما كافيا من غير عمل وقال القاشانى ان للمتقين المقابلين للطاغين المتعدين فى افعالهم حد العدالة مما عينه الشرع والعقل وهم المتنزلون عن الرذآئل وهيئات السوء من الافعال مفازا فوزا ونجاة من النار التى هى مآب الطاغين حدآئق من جنان الاخلاق واعنابا من ثمرات الافعال وهيئاتها وكواعب من صور آثار الاسماء فى جنة الافعال اترابا متساوية فى الترتيب وكأسا من لذة محبة الآثار مترعة ممزوجة بالزنجبيل والكافور لان اهل جنة الآثار والافعال لا مطمح لهم الى ما ورآءها فهم محجبون بالآثار عن المؤثر وبالعطاء عن المعطى عطاء حسابا كافيا يكفيهم بحسب هممهم ومطامح ابصارهم لانهم لقصور استعداداتهم لا يشتاقون الى ما ورآء ذلك فلا شئ ألذ لهم بحسب اذواقهم مما هم فيه.