التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً
٢
-النازعات

روح البيان في تفسير القرآن

{ والناشطات نشطا } قسم آخر معنى بطريق العطف والنشط جذب الشئ من مقره برفق ولين ونصب نشطا على المصدرية اقسم الله بطوآئف الملائكة التى تنشط ارواح المؤمنين اى تخرجها من ابدانهم برفق ولين كما تنشط الدلو من البئر يقال نشط الدلو من البئر اذا أخرجها وكما تنشط الشعرة من السمن وكما تنسل القطرة من السقاء وهم ملك الموت واعوانه من ملائكة الرحمة ونفس المؤمن وان كانت تجذب من اطراف البنان ورؤس الاصابع ايضا لكن لا يحس بالألم كما يحس به الكافر وايضا نفس المؤمن ليس لها شدة تعلق بالبدن كنفس الكافر لكونها منجذبة الى عالم القدس وانما يشتد الامر على اهل التعلق دون اهل التجرد خصوصا اذا كان ممن مات بالاختيار قبل الموت وايضا حين يجذبونها يدعونها احيانا حتى تستريح وليس كذلك ارواح الكفار فى قبضها لكن ربما يتعرض الشيطان للمؤمن الضعيف اليقين والقاصر فى العمل اذا بلغ الروح التراقى فيأتيه فى صورة ابيه وامه واخيه او صديقه فيأمره باليهودية او النصرانية أو نحو ذلك نسأل الله السلامة (حكى) ان ابليس عليه اللعنة تمثل للنبى عليه السلام يوما وبيده قارورة ماء فقال ابيعه بايمان الناس حالة النزع فبكى النبى عليه السلام حتى بكت اهل بيته فأوحى الله تعالى اليه انى احفظ عبادى فى تلك الحالة من كيده والميت يرى الملائكة حينئذ على صوة اعماله حسنة او قبيحة فاذا اخذوا نفس المؤمن يلفونها فى حرير الجنة وهى على قدر النحلة وعلى صورة عمله ما فقد شئ من عقله وعلمه المكتسب فى الدنيا دل عيله قوله تعالى حكاية عن حبيب النجار الشهيد فى انطاكية { قال يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين } فيعرجون بها الى الهوآء ويهيئون له اسباب التنعم فى قبره وفى عليين وهو النعيم الروحانى ثم اذا قام الناس من قبورهم ازداد النعيم بانضمام الجسمانى الى الروحانى فقوله والناشطات نشطا اشارة الى كيفية قبض ارواح المؤمنين بشهادة اللفظ ومدلوله ايضا فان قيل قد ثبت ان النبى عليه السلام اخذ روحه الطيب ببعض شدة حتى قال "واكرباه" وقال "لا اله الا الله ان للموت سكرات اللهم أعنى على سكرات الموت" اى غمراته وكان يدخل يده الشريفة فى قدح فيه ماء ثم يمسح وجهه المنور بالماء ولما رأته فاطمة رضى الله عنها يغشاه الكرب قالت واكرب ابتاه فقال لها عليه السلام "ليس على ابيك كرب بعد اليوم" فاذا كان امر النبى عليه السلام حين انتقاله هكذا فما وجه ما ذكر من الرفق واللين أجيب بأن مزاجه الشريف كان اعدل الامزجة فأحس بالألم اكثر من غيره اذ الخفيف على الأخف ثقيل وايضا يحتمل أن يبتليه الله بذلك ليدعو الله فى أن يجعل الموت لامته سهلا يسيرا وايضا قد روى انه طلب من الله أن يحمل عليه بعض صعوبة الموت تخفيفا عن امته فانه بالمؤمنين رؤف رحيم وايضا فيه تسلية امته اذا وقع لاحد منهم شئ من ذلك الكرب عند الموت وايضا لكى يحصل لمن شاهد من اهله ومن غيرهم من المسلمين الثواب لما يلحقهم عليه من المشقة كما قيل بمثل ذلك فى حكمة ما يشاهد من حال الاطفال عند الموت من الكرب الشديد وايضا راحة الكمل من الشدة لانها من باب الترقى فى العلوم والدرجات واقل الامر للناقصين كفارة الذنوب فاهل الحقيقة لا شدة عليهم فى الحقيقة لاستغراقهم فى بحر الشهود وانما الشدة لظواهرهم والحاصل كما ان النار لا ترفع عن الدنيا والدنيا قائم فكذا الشدة لا تعرف عن الظواهر فى هذا الموطن.