التفاسير

< >
عرض

وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا
٢٩
-النازعات

روح البيان في تفسير القرآن

{ واغطش ليلها } الغطش الظلمة قال الراغب واصله من الاغطش وهو الذى فى عينه شبه عمش يقال اغطشه الله اذا جعله مظلما واغطش الليل اذا صار مظلما فهو متعد ولازم والاول هو المراد هنا اى جعله مظلما ذاهب النور فان قيل الليل اسم لزمان الظلمة الحاصلة بسبب غروب الشمس فقوله واغطش ليلها يرجع معناه الى انه جعل المظلم مظلما وهو بعيد والجواب معناه ان الظلمة الحاصلة فى ذلك الزمان انما حصلت بتدبير الله وتقديره فلا اشكال { وأخرج ضحاها } اى ابرز نهارها عبر عنه بالضحى وهو ضوء الشمس ووقت الضحى وهو الوقت الذى تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها لانه اشرف اوقاتها واطيبها على تسيمة المحل باسم اشرف ما حل فيه فكان احق بالذكر فى مقام الامتنان وهو السر فى تأخير ذكره عن ذكر الليل وفى التعبير عن احداثه بالاخراج فان اضافة النور بعد الظلمة اتم فى الانعام واكمل فى الاحسان واضافة الليل والضحى الى السماء لدوران حدوثها على حركتها والاضافة يكفيها ادنى ملابسة المضاف اليه ويجوز ان تكون اضافة الضحى اليها بواسطة الشمس اى ابرز ضوء شمسها بتقدير المضاف والتعبير عنه بالضحى لانه وقت قيام سلطانها وكمال اشراقها. امام زاهد فرموده كه روز وشب دنيا بآسمان بيداكردد بسبب آفرينش آفتاب وماه دور.
قال بعض العارفين الليل ذكر والنهار انثى فلما تغشاها الليل حملت فولدت فظهرت الكائنات عن غشيان الزمان فالمولدات اولاد الزمان واستخراج النهار من الليل كاستخراج حوآء من آدم قال تعالى
{ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون } وقال { يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل } كعيسى فى مريم وحوآء فى آدم فاذا خاطب ابناء النهار قال يولد الليل واذا خاطب ابناء الليل قال يولج النهار وقال بعض اهل الحقائق ان توارد الليل والنهار اشارة الى توارد السيئة والحسنة فكما ان الدنيا لا تبقى على ليل وحده ولا على نهار وحده بل هما يتعاقبان فكذا المؤمن لا يخلو من نور الايمان والعمل الصالح ومن ظلمة العمل الفاسد والفكر الكاسد ولذ قال عليه السلام لعلى رضى الله عنه "ياعلى اذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فاذا كان يوم القيامة يلقى الله الليل فى جهنم والنهار فى الجنة فلا يكون فى الجنة ليل كما لا يكون فى النار نهار" يعنى ان النهار فى الجنة هو نور ايمان المؤمن ونور عمله الصالح بحسب مرتبته والليل فى النار هو ظلمة كفر الكافر وظلمة عمله السيئ فكما ان الكفر لا يكون ايمانا فكذا الليل لا يكون نهارا والنار لا تكون نورا فيبقى كل من اهل النور والنار على صفته الغالبة عليه واما القلب وحاله بحسب التجلى فهو على عكس حال القالب فان نهاره المعنوى لا يتعاقب عليه ليل وان كان يطرأ عليه استتار فى بعض الاوقات.