التفاسير

< >
عرض

فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً
٥
-النازعات

روح البيان في تفسير القرآن

{ فالمدبرات امرا } عطف على السابقات بالفاء للدلالة على ترتب التدبير على السبق بغير تراخ والتدبير التفكر فى دبر الامور وامرا مفعول للمدبرات قال الراغب يعنى الملائكة الموكلين بتدبير الامور انتهى اى التى تدبر امرا من الامور الدنيوية والاخروية للعباد كما رسم لهم من غير تفريط وتقصير والمقسم عليه محذوف وهو لتبعثن لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة وجه البعث ان الموت يستدعيه للاجر والجزآء لئلا يستمر الظلم والجور فى الوجود وما ربك بظلام للعبيد فكان الله تعالى يقول ان الملائكة ينزلون لقبض الارواح عند منتهى الآجال ثم ينجر الامر الى البعث لما ذكر فكان من شأن من يقر بالموت أن يقر بالبعث فلذا جمع بين القسم بالنازعات وبين البعث الذى هو الجواب وفى عنوان هذه السورة وجوه كثيرة صفحنا عن ذكرها واخترنا سوق الكشاف فانه هو الذى يقتضيه جزالة التنزيل وقال القاشانى اقسم بالنفوس المشتاقة التى غلب عليها النزع الى جناب الحق غريقة فى بحار الشوق والمحبة والتى تنشط من مقر النفس وأسر الطبيعة اى تخرج من قيود صفاتها وعلائق البدن من قولهم نور ناشط اذا خرج من بلد الى بلد او من قولهم نشط من عقاله والتى تسبح فى بحار الصفات فتسبق الى عين الذات ومقام الفناء فى الوحدة فتدبر بالرجوع الى الكثرة امر الدعوة الى الحق والهداية وأمر النظام فى مقام التفصيل بعد الجمع انتهى ثم ان النفوس الشريفة لا يبعد أن يظهر منها آثار فى هذا العالم سوآء كانت مفارقة عن الابدان اولا فتكون مدبرات ألا ترى ان الانسان قد يرى فى المنام ان بعض الاموات يرشده الى مطلوبه ويرى استاذه فيسأله عن مسألة فيحلها له سئل زرارة بعد أن توفى رضى الله عنه فى المنام اى الاعمال أفضل عندكم فقال الرضى وقصر الأمل وعن بعضهم رأيت ورقاء بن بشررحمه الله فى المنام فقلت ما فعل الله بك قال نجوت بعد كل جهد قلت فأى الاعمال وجدتموها أفضل قال البكاء من خشية الله وقال بعضهم هلكت جارية فى الطاعون فرآها أبوها فى المنام فقال لها يا بنية اخبرينى عن الآخرة قالت يا أبت قدمنا على امر عظيم نعلم ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة او تسبيحتان او ركعة او ركعتان فى صحيفة عملى احب الى من الدنيا وما فيها ونظائره كثيرة لا تحصى وقد يدخل بعض الاحياء من جدار ونحوه على بعض من له حاجة فيقضيها وذلك على خرق العادة فاذا كان التدبير بيد الروح وهو فى هذا الموطن فكذا اذا انتقل منه الى البرزخ بل هو بعد مفارقته البدن أشد تأثيرا وتدبيرا لان الجسد حجاب فى الجملة ألا ترى ان الشمس اشد احراقا اذ لم يحجبها غمام او نحوه.