التفاسير

< >
عرض

إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٩
-الأنفال

روح البيان في تفسير القرآن

{ إن تستفتحوا } الخطاب لاهل مكة على سبيل التهكم بهم وذلك انهم حين ارادوا الخروج الى بدر تعلقوا باستار الكعبة وقالوا اللهم انصر اعلى الجندين واهدى الفئتين واكرم الحزبين وافضل الدين - وروى- ان ابا جهل قال يوم بدر اللهم انصر افضل الفريقين واحقهما بالنصر اللهم اينا اقطع للرحم وافسد للجماعة فاهلكه دعا على نفسه لغاية حماقته فاستجاب الله دعائه حيث ضربه ابنا عفراء عوذ ومعاذ واجهز عليه ابن مسعود رضى الله عنه. فالمعنى ان تستنصروا يا اهل مكة لا على الجندين { فقد جاءكم الفتح } حيث نصر اعلاهما وقد زعمتم انكم الاعلى فالتهكم فى المجئ او فقد جاءكم الهزيمة والقهر والخزى فالتهكم فى نفس الفتح حيث وضع موضع ما يقابله { وإن تنتهوا } عن الكفر ومعاداة الرسول { فهو } اى الانتهاء { خير لكم } اى من الحراب الذي ذقتم غائلته لما فيه من السلامة من القتل والاسر ومبنى اعتبار اصل الخيرية فى المفضل عليه هو التهكم { وإن تعودوا } لمحاربته { نعد } لنصره { ولن تغنى } اى لن تدفع ابدا { عنكم فئتكم } اى جماعتكم التى تجمعونهم وتستغيثون بهم { شيئاً } اى من الاغناء فنصب شيئاً على المصدر او من المضار فتصبه على المفعولية { ولو كثرت } فئتكم فى العدد { وإن الله مع المؤمنين } اى ولان الله مع المؤمنين بالنصر والمعونة فعل ذلك.
وفى الآية اشارة الى ان النجاة فى الايمان والاسلام والتسليم لامر الله الملك العلام وان غاية الباطل هو الزوال والاضمحلال وان ساعده الامهال: قال الحافظ

اسم اعظم بكند كار خوادى دل خوش باش كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود

واعلم ان المحاربة مع الاولياء الكرام كالمحاربة مع الانبياء العظام وكل منهم منصور على اعدائه لان الله معهم وهو لا ينساهم ولا يتركهم بحال -حكى- ان دانيال عليه السلام طرح فى الجب والقيت عليه. السباع فجعلت السباع تلحسه وتتبصبص اليه فاتاه رسول فقال يا دانيال فقال من انت قال انا رسول ربك اليك ارسلني اليك بطعام فقال الحمد لله الذى لا ينسى من ذكره

واذا السعادة لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن امان
واصطد بها العنقاء فهى حبالة واقتد بها الجوزاء فهى عنان

-وحكى- الماوردى فى كتاب ادب الدنيا والدين ان الوليد بن يزيد بن عبد الله تفاءل يوما فى المصحف فخرج له قوله تعالى { { واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد } [إبراهيم: 15] فمزق المصحف وانشأ يقول

أتوعد كل جبار عنيد فها انا ذاك جبار عنيد
اذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقنى الوليد

فلم يلبث اياما حتى قتل شر قتلة وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده.
جزم القاضى ابو بكر فى الاحكام فى سورة المائدة بتحريم اخذ الفأل من المصحف. ونقله القرافى عن الطرطوشى واقره واباحه ابن بطة من الحنابلة. وقال بعضهم بكراهته كذا فى حياة الحيوان للامام الدميرى.
والاشارة فى الآية { إِن تستفتحوا } ابواب قلوبكم بمفتاح الصدق والاخلاص وترك ما سوى الله تعالى فى طلب التجلى { فقد جاءكم الفتح } بالتجلى فان الله تعالى متجل فى ذاته ازلا وابدا فلا تغير له وانما التغير فى احوال الخلق فانهم عند انغلاق ابواب قلوبهم الى الله محرومون من التجلى وعند انفتاح ابوابها محفوفون به { وان تنتهوا } اى عن غير الله فى طلب الله فهو خير لكم مما سواه { وان تعودوا } الى الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها وزخارفها والى ما سوى الله تعالى { نعد } الى خذلانكم الى انفسكم وهواها ودواعيها وغلبات صفاتها { ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً } اى تقوم لكم الدنيا والآخرة وما فيهما مقام شئ من مواهب الله والطافه ولو كثرت يعنى وان كثرت نعم الله من الدنيوية والاخروية فلا توازى شيئاً مما انعم الله على اهل الله وخاصته وان الله باصناف الطافه مع المؤمنين بهذه المقامات وطالبيها ليبلغهم اليها ورحمته لا بحولهم وقوتهم كذا فى التأويلات النجمية