التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٢٦
-الأنفال

روح البيان في تفسير القرآن

{ واذكروا } ايها المهاجرون { اذ أنتم قليل } اى وقت كونكم قليلا فى العدد { مستضعفون } خبر ثان اى مقهورون تحت ايدى قريش { فى الارض } اى ارض مكة { تخافون } خبر ثالث { أن يتخطفكم الناس } التخطف الاخذ والاستلاب بسرعة وهم كانوا يخافون ان يخرجوا من مكة حذرا من ان يستلبهم كفار قريش ويذهبوا بهم { فآويكم } اى جعل لكم مأوى ترجعون اليه وهو المدينة دار الهجرة { وايدكم بنصره } على الكفار { ورزقكم من الطيبات } من الغنائم التى لم تكن حلالا للامم السالفة على الكفار { ورزقكم من الطيبات } من الغنائم التى لم تكن حلالا للامم السالفة { لعلكم تشكرون } هذه النعم.
قال الجنبد قدس سره كنت عند السرى وانا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون فى الشكر فقال لى يا غلام ما الشكر فقلت ان لا تعصى الله بنعمه فقال يوشك ان يكون حظك من الله لسانك فلا أزال. ابكى على هذه الكلمة.
واعلم ان الدولة العثمانية التى هى آخر الدول الاسلامية كانت على الضعف فى الاوائل واهلها قليلون مستضعفون تحت ايدى فارس والروم حتى قواهم الله بالعدد ونصرهم على اعدائهم فكانوا يستفتحون من مشارق الارض ومغاربها ويأوون الى الاماكن فى الاقطار الى ان آل الامر الى ما آل فكل ذلك نعم جسيمة وستعود هذه الحال الى ما كانت عليه فى الابتلاء فان الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا وما ذلك الا بالغرور والكفران وادعاء الاستحقاق من غير برهان: قال السعدى قدس سره

ترا آنكه جشم ودهان داد وكوش اكر عاقلى در خلافش مكوش
مكن كردن ازشكر منعم ميبج كه روزى بسين سربر آرى بهيج

ثم اعلم ان الروح والقلب فى بدء الخلقة وتعلقهما بالقالب وكذا صفاتهما مستضعفون من غلبات النفس لاعواز التربية بألبان آداب الطريقة وانعدام جريان احكام الشريعة عليهم الى اوان البلوغ والتربية فى هذه المدة للنفس وصفاتها لاستحكام القالب لحمل اعباء تكاليف الشريعة وهما اعنى الروح والقلب يخافون ان تستلبهم النفس وصفاتها ويغتالهم الشيطان واعوانه فآواكم الى حظائر القدس وايدكم بنصره بالواردات الربانية { ورزقكم من الطيبات } اى من المواهب الطاهرة من لوث الحدوث { لعلكم تشكرون } فتستحقون المزيد

شكر نعمت نعمتت افزون كند كفر نعمت از كفت بيرون كند

والعمدة قلة الاكل وكثرة الشكر والطاعة. ويقال اربع فى الطعام فريضة. ان لا يأكل الا من الحلال. وان يعلم انه من الله تعالى. وان يكون راضيا. وان لا يعصى الله ما دامت قوة ذلك الطعام فيه. واربع سنة. ان يسمى الله فى الابتداء. وان يحمد الله فى الانتهاء. وان يغسل يديه قبل الطعام وبعده. وان يثنى رجله اليسرى وينصب اليمنى عن الجلوس. واربع آداب. ان يأكل مما يليه. وان يصغر اللقمة. وان يمضغها مضغا ناعما. وان لا ينظر الى لقمة غيره. واثنان دواء. ان يأكل ما سقط من المائدة. وان يلعق القصعة. واثنان مكروهان. ان يشم الطعام. وان ينفخ فيه ولا يأكل حارا حتى يبرد فان اللذة فى الحار والبركة فى البارد.
فعلى العاقل الساعى فى طلب مرضاة الله تعالى تحصيل القوت الحلال وكثرة شكر المنعم المفضال ولله على العبد نعم ظاهرة وباطنة والطاف جليلة وخفية