التفاسير

< >
عرض

لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٣٧
-الأنفال

روح البيان في تفسير القرآن

{ ليميز الله } اللام متعلقة بيحشرون او يغلبون والميز بالفارسية [جدا كردن] { الخبيث } فريق الكفار { من الطيب } فريق المؤمنين { ويجعل } الفريق { الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً } اى يجمعهم ويضم بعضهم الى بعض حتى يتراكموا ويتزاحموا فالركم ليس عبارة عن الجمع مطلقا ليس عبارة عن الجمع مطلقا بل هو الجمع بين اشياء بحيث يتراكب بعضها فوق بعض ومنه السحاب المركوم { فيجعله فى جهنم } كله { اولئك } الفريق الخبيث { هم الخاسرون } الكاملون فى الخسران لانهم خسروا لانهم خسروا اموالهم وانفسهم.
والاشارة ان الله تعالى خلق الروح نورانيا علويا وخلق النفس ظلمانية سفلية ثم اشرك بينهما وجعل رأس مالهما الاستعداد الفطرى القابل للترقى والكمال فى القربة والمعرفة والخسارة والنقصان فمن اتجر فآمن وجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله وطلبه وبلغ مبلغ الرجال البالغين فقد ربح روحه ونفسه جميعا ومن آمن بالله ورسوله لكن وجد منه العصيان ومخالفة الشريعة فقد ربح روحه وخسر نفسه ومن لم يؤمن بالله ورسوله وكفر بهما فقد خسر روحه ونفسه جميعا.
قيل دخل على الشلبى قدس سره فى وقت وفاته وهو يقول يجوز فقيل له ما معنى قولك يجوز فقال خلق الله الروح والنفس واشرك بين الروح والنفس فعملا واتجرا سنين كثيرة فحوسبا فاذا هما قد خسرا وليس معهما ربح فقد عزما على الافتراق وانا اقول شركة لا ربح فيها يجوز ان يقع بين الشريكين افتراق: قال السعدى

كوس رحلت بكوفت دت اجل اى دوجشمم وداع سر بكنيد
اى كف ودست وساعد وبازو همه توديع يكد كر بكنيد
بر من افتاده مرك دشمن كام آخراى دوستان حذر بكنيد
روز كارم بشد بنادانى من نكردم شما حذر بكنيد

فعلى العاقل ان يجتهد قبل مجيئ الفوت ويربح فى تجارته ببذل النفس والمال والطيب من الاموال ما يبذل فى طلب الله على الطالبين والخبيث ما يلتفت اليه الطالب من غير حاجة ضرورية فيشغله عن الله وطلبه فيكون قاطع طريقه - ويروى - ان الله تعالى يضم الاموال الخبيثة بعضها الى بعض فيلقيها فى جهنم ويعذب اربابها كقوله تعالى { { يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم } [التوبة: 35].
-وروى- ان ابا سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب على محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب اى صار جيشا وانفق عليهم اربعين اوقية والاوقية اثنان واربعون مثقالا.
وفى القاموس سبعة مثاقيل فانظر الى الكفار وجسارتهم على الانفاق لغرض فاسد وهو الصد عن سبيل الله واقل من القليل من المسلمين من يبذل ماله ولو قليلا لجذب القلوب والوصول الى رضى المحبوب فلا بد للمرء من قطع النفس عن مألوفها وهو حب المال.
ومن كلمات الجنيد قدس سره ما اخذنا التصوف عن القال والقيل لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات.
وعن ابى سعيد الخدرى قال قال رجل يا رسول الله اى الناس افضل قال مؤمن يجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله قال ثم من قال رجل معتزل فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وفيه دليل على فضل العزلة وهى مستحبة عند فساد الزمان وتغير الاخوان وتقلب الاحوال ووقوع الفتن وتراكم المحن كما فعله جماعة من الصحابة رضى الله عنهم وقد كان النبى عليه السلام عند تقلب الاحوال واختلاف الرجال وكثرة القيل والقال يأمر بالاعتزال وملازمة البيوت وكسر السيوف واتخاذها من العراجين والخشب.
قال الامام الغزالى ان السلف الصالح اجمعوا على التحذير من زمانهم واهله وآثروا العزلة وامروا بذلك وتواصوا بها ولا شك انهم كانوا بصدد النصح وان الزمان لم يصر بعدهم خيرا مما كان بل ادهى وامر: قال الحافظ

تو عمر خواه وصبورى كه جرخ شعبد باز هزار بازى ازين طرفه تربرانكيرد
ان دام هذا ولم يحدث له غير لم يبك ميت ولم يفرح بمولود

اللهم اجعلنا من الصابرين