التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ
٤٤
-الأنفال

روح البيان في تفسير القرآن

{ وإذ يُريكموهم } الضميران مفعولا يرى وفاعل الاراءة هو الله تعالى. والمعنى بالفارسية [وآنراياد كنيداى صحابه كه بنمود خداى تعالى دشمنانرا بشما] { إِذ التقيتم في أَعينكم } حال كونهم { قليلا } وانما قللهم فى اعين المسلمين حتى قال ابن مسعود رضى الله عنه لمن الى جنبه أتراهم سبعين قال اراهم مائة مع انهم كانوا الفا وتسعمائة وخمسين تثبيتا لهم وتقوية لقلوبهم وتصديقا لرؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم فانها وحى لا خلف فيه اصلا { ويقللكم في أَعينهم } حتى قال ابو جهل ان محمدا واصحابه اكلة جزور وهو مثل يضرب فى القلة اى قلتهم بحيث يشبعهم جزور واحد قللهم فى اعينهم قبل التحام القتال ليجترئوا عليهم ولا يبالغوا فى الاجتهاد والاستعداد والتأهب والحذر ثم كثرهم حتى رأوهم مثليهم لتفاجئهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم.
قال فى التأويلات النجمية { ويقللكم فى أَعينهم } لانهم ينظرون اليكم بالابصار الظاهرة لا يرون كثرة معناكم وقوة قلوبكم ومددكم من الملائكة فانهم عمى البصائر والقلوب ولئلا يفروا من القتال كما فر ابليس لما رأى مدد الملائكة وهو قد جاء مع الكفار فى صورة سراقة فقالوا له اين تفر فقال لهم انى ارى ما لا ترون { ليقضى الله أَمرا كان مفعولا } كرره لاختلاف الفعل المعلل به وهو الجمع بين الفريقين على الحالة المذكورة فى الاول وتقليل كل واحد من الفريقين فى عين الآخر فى الثانى { وإلى الله ترجع الأَمور } كلها يصرفها كيف يريد لا راد لامره ولا معقب لحكمه. وفيه تنبيه على ان احوال الدنيا غير مقصودة لذواتها وانما المراد منها ما يكون وسيلة الى سعادة الآخرة ومؤديا الى مرضاة الرحمن.
وفى الآيات اشارات. منها ان اركان الاسلام خمسة وهى غنائم دينية لكن التوحيد اعلى من الكل ولذا كان خمسا راجعا الى الله تعالى وباقى الاخماس حظ الجوارح فعلى العاقل ان يحرز غنائم العبادات وما يتعلق بالمعارف والكمالات التى تتحقق بها السادات ليكون الروح والجوارح كلاهما محفوظين غير محرومين.
وفى التأويلات النجمية ما غنمتم عند رفع الحجب من انوار المشاهدات واسرار المكاشفات فلكم اربعة اخماس تعيشون بها مع الله وتكتمونها عن الاغيار

داند وبوشدبامر ذو الجلال كه نباشد كشف راز حق حلال

ولا تنفقون اكثر من خمسها فى الله مخلصا وللرسول متابعا ولذى القربى يعنى الاخوان فى الله مواصلا واليتامى يعنى اهل الطلب من الذين غاب عنهم مشايخهم قبل بلوغهم الى حد الكمال والمساكين يعنى الطالبين الصادقين اذا امسكوا بأيدى الاراداة اذيال ارشادكم وابن السبيل يعنى الصادر الوارد من اهل الصدق والارادة من اغيار جانب كل طائفة منهم على حسب صدقهم وارادتهم وطلبهم واستعدادهم واستحقاقهم مؤديا حقوقهم لله وفى الله وبالله فى متابعة رسول الله وقانون سيرته وسنته. ومنها ان الله تعالى كما جمع بين الفريقين بحيث لو تركهم على حالهم لما اجتمعوا ليظهر عز الاسلام وذل الكفر كذلك جمع بين الارواح والنفوس فى هذه الهياكل والقوالب بحيث لو تركهما على حالهما وهما على تلك الضدية واختلاف الطبيعة لما اجتمعت ليحصل الارواح فى مقعد صدق والنفوس مع الملائكة المقربين كما قال { { فادخلى فى عبادى } } [الفجر: 29].
بعدما كانت محبوسة فى سجن الدنيا والاجساد فى جنات النعيم واعلى عليين بعد ما كانت فى اسفل سافلين هذا بالنسبة الى السعداء المخلوقين للتحيات والقربات واما الاشقياء المذرؤون لجهنم فعلى خلاف ذلك وقد خلق الله الاستعداد للترقى والتنزل ولله على الناس الحجة البالغة.
قال الكاشفى { در ترجمه شفا مذ كورست كه كوهر شب آنكه فروز عقل را همجانجه درحقه سينه دوستان مى سبارند دراستين دشمنان تر دامن نيز مى نهند "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة" يعنى بارقة نور عقل اكر از جانب عنايت وتوفيق لامع شود دوستان بدان مهتدى كردند واكر از طرف قهر وخذلان استضاءت يذيرد سبب اختطاف ابصار بصائر دشمنان شود "يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا"]

كرت صورت حال بد يانكوست نكاريده دست تتدير اوست

ومنها ان من سنة الله ان يرى النبى صلى الله عليه وسلم حقائق الاشياء حقا وصدقا وهو يخبر بها ثم يراها ارباب الصورة فى الظاهر بضدها ابتلاء واختبار للمؤمن والمنافق فالمؤمن يثبت على ايمانه بتصديق النبى عليه السلام وتسليمه فى اقواله واعماله واحواله من غير اعتراض فيزيده الله ايمانا مع ايمانه والمنافق تزل قدمه وتشوش حاله بالاعتراض ويزيد نفاقه على النفاق وعماه على العمى والى الله ترجع الامور فحال المؤمن وامره ان يرجع الى رضاه وحال المنافق وامره يرجع الى سخطه والرضى والسخط آثار لطفه وقهره يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد وقس على هذا الهامات الاولياء واحوالهم مع معتقديهم ومنكريهم فان الاختبار والابتلاء سنة قديمة وكم ترى من الصوفية من يزعم انه يحب فلانا ويعتقده وطريقته حقا فاذا جاء سطوة القهر باراءة ما هو غير ملائم لطبعه نكص على عقبيه واتخذه غرضا لطعنه وتشنيعه واين هو المحبة وهو مقام عال يجتمع عنده اللطف والقهر والجمال والجلال فلا يتشوش صاحبه من الاحوال العارضة المرئية فى صورة التنزل والتدلى ولذا كثر ارباب الصورة وقل اصحاب المعنى ويكفى لكل مرشد كامل واحد ممن يلزم طريقته وينبع هداه