التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٤٧
-الأنفال

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولا تكونوا } ايها المؤمنون { كالذين خرجوا من ديارهم } يعنى اهل مكة حيث خرجوا منها لحماية العير اى القافلة المقبلة من الشأم { بطرا } مفعول له اى افتخارا بمآثر الاصول من الآباء والامهات واشرا وهو مقابلة النعمة بالتكبر والخيلاء { ورئاء الناس } ليثبتوا عليهم بالشجاعة والسماحة وذلك انهم لما بلغو الجحفة اتاهم رسول ابى سفيان وقال ارجعوا فقد سلمت عيركم من اصحاب محمد ومن نبههم فقال ابو جهل لا والله حتى نقدم بدرا ونشرب بها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب فوافوها اى اتوا بدرا ولكن سقوا كأس المنايا بدل كأس الخمور وناحت عليهم النوائح مكان تغنى القيان فنهى المؤمنون ان يكونوا امثالهم بطرين مرائين وامرهم بالتقوى والاخلاص لان النهى عن الشيء مستلزم للامر بصده { ويصدون عن سبيل الله } عطف على بطرا بتأويل المصدر اى وصدا ومنعا للناس عن دين الله المؤدى الى الجنة والثواب { والله بما يعملون محيط } فيجازيهم عليه. وفيه تهديد على الاعمال القبيحة خصوصا ما ذكر فى هذه الآية من البطر. والرئاء هو اظهار الجميل وابطان القبيح وهو من الصفات المذمومة للنفس -وحكى- عن بعض الصالحين انه قال كنت ليلة فى وقت السحر فى غرفة لى على الطريق اقرأ سورة طه فلما ختمتها غفوت غفوة فرأيت شخصا نزل من السماء بيده صحيفة فنشرها بين يدى فاذا فيها سورة طه واذا تحت كل كلمة عشر حسنات مثبتة الا كلمة واحدة فانى رأيت مكانها محوا ولم ار تحتها شيئاً فقلت والله لقد قرأت هذه الكلمة ولا ارى ثوابا ولا اراها اثبتت فقال الشخص صدقت قد قرأتها وكتبناها الا انا قد سمعنا مناديا ينادى من قبل العرش امحوها واسقطوا ثوابها فمحوناها قال فبكيت فى منامى فقلت لم فعلتم ذلك فقال مر رجل فرفعت بها صوتك لاجله فذهب ثوابها وفى الحديث "ان النار واهلها يعجون من اهل الرياء" اى يتضرعون ويرفعون الصوت قيل يا رسول الله وكيف تعج النار قال "من ضر الناس الذين يعذبون بها"
. فويل للمرائى فى عمله ومن الرياء التزيى بزى القوم تصنعا ودوران البلاد تفرجا ليتباهى بذلك على الاخوان كما يفعله اكثر المتسمين بالصوفية فى هذا الزمان فان مقصودهم ليس التقليد بلباس القوم تبركا مع التحقق بمعانيهم فهم محرومون من انوار المعرفة واسرار الحقيقة خارجون عن دائرة الطريقة: قال الحافظ

مدعى خواست كه آيد بتماشا كه راز دست غيب آمد سينه نامحرم زد

فعلى العاقل اخلاص العمل وهو ارادة التقرب الى الله تعالى وتعظيم امره واجابة دعوته سواء كان من العبادات المالية او البدنية
وفى التتارخانية لو افتتح الصلاة خالصا لله تعالى ثم دخل فى قلبه الرياء فهو على ما افتتح والرياء انه لو خلا عن الناس لا يصلى ولو كان مع الناس يصلى فاما لو صلى مع الناس يحسنها ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب اصل الصلاة دون الاحسان ولا رياء فى الصوم الا ان يكون مراده من الرياضة اصفرار الوجه وهزال البدن ليظنه الناس رجلا صالحا متقيا مريدا للآخرة فانظر الى تعبه لاجل الناس ولو كان له عقل صحيح وفكر ثاقب لما فعل هذا وفى مثل هذا قالوا اخف حلما من عصفور قال حسان ابن ثابت الانصارى رضى الله عنه

لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال واحلام العصافير

وما الدنيا حتى يطلبها العاقل بعمله ويضيع عمره الى حلول اجله "وعن ابى الدرداء رضى الله عنه ان النبى عليه السلام مر بدمنة قوم فيها سخلة ميتة فقال ما لأهلها فيها حاجة قالوا يا نبى الله لو كان لاهلها فيها حاجة ما نبذوها قال فوالله الدنيا اهون على الله من هذه السخلة على اهلها" : قال السعدى قدس سره

وكرسيم اندوده باشد نحاس توان خرج كردن برناشناش
منه آب زرجان كن بر بشيز كه صراف دانا نكيرد بجيز
جه قدر آوردبنده خوردبيس كه زير قبادارد اندام بيس

نسأل الله ان يعصمنا من الزلل فى مسالك الدين ويوصلنا الى رضاه فى كل قول وعمل وهو المعين آمين بجاه النبى الامين