التفاسير

< >
عرض

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ
٥٤
-الأنفال

روح البيان في تفسير القرآن

{ كدأب آل فرعون } تكرير للتأكيد { والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم } وعطف قوله تعالى { واغرقنا آل فرعون } على اهلكنا مع اندراجه تحته للايذان بكمال هول الاغراق وفظاعته كعطف جبرائيل على الملائكة { وكل } من غرقى القبط وقتلى قريش { كانوا ظالمين } انفسهم بالكفر والمعاصى حيث عرّضوها للهلاك او واضعين للكفر والتكذيب مكان الايمان والتصديق.
والاشارة ان فرعون وقومه اختصوا بالاستغراق فى بحر الهلاك عن غيرهم لادعاء فرعون الربوبية واقرار قومه وتصديقهم اياه بها وهذا غاية فساد جوهر الروحانية باستيلاء الصفات النفسانية وكل ممن كفر بالله وكذب بآياته كانوا ظالمى انفسهم لافساد استعدادهم وان لم يبلغوا. فى الظلم والكفر ما بلغ فرعون وقومه فعليك بمحافظة الاستعداد الفطرى واكثار الشكر عليه واياك وشؤم المعاملات السيئة المؤدية الى الافساد والاهلاك ولا يحملك العناد على مخالفة الحق وعدم قبوله فانه لا ينبغى لاحد خصوصا للسلاك

كسى راكه بندار درسربود ميندار هركزكه حق بشنود

قال الامام الغزالى قدس سره ان النعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها واقتنع فى هذا الباب بمثال ملك يكرم عبدا له فيخلع عليه خاصة ثيابه ويقربه منه ويجعله فوق سائر حجابه وخدامه ويأمره بملازمة بابه ثم يأمر ان يبتنى له فى موضع آخر القصور وتوضع له الاسرة وتنصب له الموائد وتزين له الجوارى ويقام له الغلمان حتى اذا رجع من الخدمة اجلس هنااك ملكا مخدوما مكرّما وما بين حال خدمته الى ملكه وولايته الا ساعة من نهار او اقل فان ابصر هذا العبد بجانب باب الملك سائسا للدواب يأكل رغيفا او كلبا يمضع عضما فجعل يشتغل عن خدمة الملك بنظره اليه واقباله عليه ولا يلتفت الى ماله من الخلع والكرامة فيسعى الى ذلك السائس ويد يده ويسأله كسرة من رغيفه او يزاحم الكلب على العظم ويعظمهما ويعظم ما هما فيه أليس الملك اذا نظر اليه على مثل هذه الحالة يقول هذا السفيه لم يعرف حق كرامتنا ولم ير قدر اعزازنا اياه بخلعنا والتقرب الى حضرتنا مع صرفنا اليه من عنايتنا وامرنا له من الذخائر وضروب الايادى ما هذا الا ساقط عظيم الجهل قليل التمييز اسلبوه الخلع واطردوه عن بابنا فهذا حال العالم اذا مال الى الدنيا والعابد اذا اتبع الهوى فعليك ايها الرجل ببذل المجهود حتى تعرف نعم الله تعالى عليك واحذر من ان تكون النعمة نقمة والولاء بلاء والعز والاقبال ادبارا واليمين يسارا فان الله تعالى غيور: وفى المثنوى

هركه شد مرشاه را او جامه وار هست خسران بهر شاهش اتجار
هركه باسلطان شود او همنشين بر درش شستن بود حيف وغبين
دست بوسش جون رسيد از بادشاه كر كزيند بوس ياباشد كناه
كرجه سر بربانهادن خدمتست بيش آن خدمت خطاو زلتست
شاه را غيرت بود برهركه او بو كزيند بعد ازانكه ديدرو

والمقصود ان من عرف الله وعرف قدر نعمته عليك ترك الالتفات الى الدنيا بل الى الكونين فان الله اجل من كل شيء وذكره افضل من كل ذكر وكلام -وحكى- ان سليمان بن داود عليهما السلام مر فى موكبه والطير تظله والدواب من الوحوش والانعام والجن والانس وسائر الحيوانات عن يمينه ويساره فمر بعابد من عباد بنى اسرائيل فقال والله يا ابن داود لقد آتاك الله ملكا عظيما فسمع ذلك سليمان فقال لتسبيحة فى صحيفة مؤمن خير مما اعطى ابن داود فان ما اعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى فهذا ارشاد عظيم لمن اراد الآخرة وسعى لها سعيها وتوجه الى العليا فارغا من شواغل الدنيا