التفاسير

< >
عرض

فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ
١٠
-عبس

روح البيان في تفسير القرآن

{ فأنت عنه تلهى } بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتلهى وتتشاغل من لهى عن الشئ بكسر الهاء يلهى لهيا اعرض عنه لا من لهوت بالشئ بالفتح ألهو لهوا اذا لعبت به لان الفعل مسند الى ضمير النبى ولا يليق بشأنه الرفيع أن ينسب اليه التفعل من اللهو بخلاف الاشتغال عن الشئ لمصحلة وفى بعض التفاسير ولو أخذ من اللهو وجعل التشاغل بأهل التغافل من جنس اللهو واللعب لكونه عبثا لا يترتب عليه نفع لم يخل عن وجه انتهى وفيه انه يلزم منه أن يكون الاشتغال بالدعوة عبثا ولا يقول به المؤمن وذلك لانه لا يجوز للنبى عليه السلام التشاغل بأهل التغافل الا بطريق التبليغ والارشاد فكيف لا يترتب عليه نفع وفى تقديم ضميره عليه السلام وهو أنت على الفعلين تنبيه على ان مناط الانكار خصوصيته عليه السلام أى مثلك خصوصا لا ينبغى ان يتصدى للمستغنى ويتلهى عن الفقير الطالب للخير وفى تقديم له وعنه للتعريض باهتمامه عليه السلام بمضمونها تنبيه حيث افادت القصة ان العبرة بالارواح والاحوال لا بالاشباح والاموال والعزيز من اعزه الله بالايمان والطاعة وان كان بين الناس ذليلا والذليل من اذله الله بالكفر والمعصية وان كان بين الناس عزيزا روى انه عليه السلام ما عبس بعد ذلك فى وجه فقير قط ولا تصدى لغنى وكان الفقرآء فى مجلسه عليه السلام امرآء يعنى كان يحترمهم كل الاحترام وفيه تأديب للصغير بالكبير فحملة الشرع والعلم والحكام مخاطبون فى تقريب الضعيف من اهل الخير وتقديمه على الشريف العارى عن الخير بمثل ما خوطب به النبى عليه السلام فى هذه السورة قال بعضهم بين الله درجة الفقر وتعظيم اهله وخسة الدنيا وتحقير اهلها فصح الاشتغال بصحبة الفقرآء لان فيم نعت الصدق والتجرد فالصحبة معهم مفيدة بخلاف الاشتغال بصحبة الاغنياء اذ ليس فيهم ذلك فالصحبة معهم ضائعة وفى الحديث "من تحامل على فقير لغنى فقد هدم ثلث دينه" يقال تحاملت على الشئ اذا تكلفت الشئ على مشقة وتحامل فلان على فلان اذا لم يعدل وقال بعض الاكابر انما كان صلى الله عليه وسلم يتواضع لاكابر قريش لان الاعزآء من الخلائق مظاهر العزة الالهية فكان تقديمهم على الفقرآء من أهل الصفة ليوفى صفة الكبرياء حقها اذا لم يشهد لها مشاركا ولكن فوق هذا المقام ما هو اعلى منه وهو ما امره الله به آخرا بعدما صدر سورة عبس فى قوله { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى } الآية فأمره بأن لا يشهده فى شئ دون شئ للاطلاق الذى هو الحق عليه كما قال جعت فلم تطعمنى وظمئت فلم تسقنى الحديث كما فى الجواهر للشعرانى.