التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ
٢٢
-عبس

روح البيان في تفسير القرآن

{ ثم اذا شاء انشره } اى اذا شاء انشاره واحياءه وبعثه انشره واحياه وبعثه وفى تعليق الانشاء بمشيئته له ايذان بأن وقته غير متعين فى نفسه بل هو تابع لها بخلاف وقت الموت فانا نجزم بأن احدا من ابناء الزمان لا يتجاوز مائة وخمسين سنة مثلا وليس لاحد مثل هذا الجزم فى النشور هكذا قالوا وفيه ان الموت ايضا له سن معلوم واجل محدود فكيف يتعين فى نفسه ويجزم بوقوعه فى سن كذا بحيث لا يكون موكولا الى مجرد مشيئته تعالى ولعل تقييد الانشار بالمشيئة لا ينافى تقييد الموت بها ايضا اذا لا يجرى عليه تعالى زمان وانه من مقدمات القيامة ولذا قال عليه السلام "من مات فقد قامت قيامته" اى لاتصال زمان الموت بزمان القيامة فهو قيامة صغرى مجهولة كالقيامة الكبرى وفيه اشارة الى ان الميت ان كان من اهل السعادة فانشاره من قبور اهل السعادة وان كان مدفونا فى قبور اهل الشقاوة وان كان من اهل الشقاوة فانشاره من قبور اهل الشقاوة وان كان مدفونا فى قبور اهل السعادة ولذا قال صاحب المشارق فى خطبة كتابه ثم اذا شاء منها انشره اى من مكة فان من دفن بمكة ولم يكن لائقا بها تنقله الملائكة الى موضع آخر وفى الحديث "من مات من امتى يعمل عمل قوم لوط نقله الله اليهم حتى يحشر معهم" وفى حديث آخر "من مات وهو يعمل عمل قوم لوط سار به قبره حتى يصير معهم ويحشر يوم القيامة معهم" كما فى الدرر المنتثرة للامام السيوطىرحمه الله وحكى ان شخصا كان يقال له ابن هيلان من المبالغين فى التشيع بحيث يفضى الى ما يستقبح فى حق الصحابة مع الاسراف على نفسه بينما هو يهدم حائطا اذ سقط فهلك فدفن بالبقيع فلم يوجد ثانى يوم الدفن فى القبر الذى دفن به ولا التراب الذى ردم به القبر بحيث يستدل بذلك لنبشه وانما وجدوا اللبن على حاله حسبما شاهده الجم الغفير حتى كان ممن وقف عليه القاضى جمال الدين وصار الناس يجيئون لرؤيته أرسالا الى ان اشتهر امره وعد ذلك من الآيات التى يعتبر بها من شرح الله صدره نسأل الله السلام وحكى ايضا ان محمد بن ابراهيم المؤذن حكى عنه انه حمل ميتا فى ايام الحاج ولم يوجد من يساعده عليه غير شخص قال فحملناه ووضعناه فى اللحد ثم ذهب الرجل وجئت أنا باللبن لاجل اللحد فلم اجد الميت فى اللحد فذهبت وتركت القبر على حاله ونقل ان بعض الصلحاء ممن لم يمت بالمدينة رؤى فى النوم وهو يقول للرآئى سلم على اولادى وقل لهم انى قد حملت ودفنت بالبقيع عند قبر العباس فاذا أرادوا زيارتى فليقفوا هناك ويسلموا ويدعوا كذا فى المقاصد الحسنة للسخاوى وفى الآية اشارة الى ان الانسان ما كان له ان يكفر لان الله خلقه من نطفة الوجود المطلق وهيأه لمظهرية ذاته وصفاته واسمائه ثم سهل عليه سبيل الظهور بمظاهر الاسماء الجمالية والجلالية ثم اماته عن انانيته فأقبره فى قبر الفناء عن رؤية الفناء ثم اذا شاء انشره بصورة البقاء بعد الفناء فعلى العبد ان يعرف قدر النعمة ولا يظهر بالعجب والغرور بأن يدعى لنفسه ما كان لله من الكمالات كالعلم والقدرة والارادة ونحوها.