التفاسير

< >
عرض

أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ
٢
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ
٣
-عبس

روح البيان في تفسير القرآن

{ ان جاءه الاعمى } الضمير لمحمد عليه السلام وهو علة لتولى على رأى المبصريين لقربه منه اى تولى لأن جاءه الأعمى والعمى افتقاد البصر ويقال فى افتقاد البصيرة ايضا ولام الأعمى للعهد فيراد أعمى معروف وهو ابن ام مكتوم المؤذن الثانى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأذان ولذلك قال عليه السلام "ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" وكان من المهاجرين الاولين استخلفه عليه السلام على المدينة مرتين حين خرج غازيا وقيل ثلاث مرات مات بالمدينة وقيل شهيدا بالقادسية وهى قرية فوق الكوفة قال أنس رضى الله عنه رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سودآء ويقال ليوم فتح عمر رضى الله عنه يوم القادسية فانه ظفر على العجم هناك وأخذ منهم غنائم كثيرة واختلفوا فى اسم ابن ام مكتوم فقيل هو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهرى من بنى عامر ابن لؤى وقيل هو عمرو بن قيس بن زآئدة بن الأصم من بنى عامر بن هلال وهوابن خال خديجة رضى الله عنها وام مكتوم اسم ام أبيه كما فى الكشاف وقال السعدى هو وهم فقد نص ابن عبد البر وغيره انها أمه واسمها عاتكة بنت عامر بن مخزوم (روى) ان ابن ام مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فى مكة وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وامية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم الى الاسلام رجاء أن يسلم باسلامهم غيرهم لان عادة الناس انه اذا مال اكابرهم الى أمر مال اليه غيرهم كما قيل الناس على دين ملوكهم فقال له يا رسول الله علمنى مما علمك الله انتفع به وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله عليه السلام بالقوم اذ السمع لا يكفى فى العلم بالتشاغل بل لا بد من الابصار على انه يجوز انهم كانوا يخفضون اصواتهم عند المكالمةاو جاء الاعمى فى منقطع من الكلام فكره رسول الله قطعه لكلامه واشتغاله به عنهم وعبس واعرض عنه فرجع ابن ام مكتوم محزونا خائفا أن يكون عبوسه واعراضه عنه انما هو لشئ انكره الله منه فنزلت.
امام زاهد فرموده كه سيد عالم صلى الله عليه وسلم ازعقبت او رفت واورابازكردانيده ورداى مبارك خود بكسترانيد وبران نشانيد. فكان رسول الله يكرمه ويقول اذا رآه مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى اى لامنى مع بقاء المحبة ويقول له هل لك من حاجة ويقال ان رسول الله عليه السلام لم يغتم فى عمره كغمه حين انزلت عليه سورة عبس لان فيها عتبا شديدا على مثله لانه الحبيب الرشيد ومع ذلك فلم يجعل ذلك الخطاب بينه وبينه فيكون ايسر للعتاب بل كشف ذلك للمؤمنين ونبه على فعله عباده المتقين ولذلك روى ان عمر ابن الخطاب رضى الله عنه بلغه ان بعض المنافقين يؤم قومه فلا يقرأ فيهم الا سورة عبس فارسل اليه فضرب عنقه لما استدل بذلك على كفره ووضع مرتبته عنده وعند قومه قال ابن زيد لو جاز له أن يكتم شيأ من الوحى لكان هذا وكذا نحو قوله
{ لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة ازواجك } ونحو قوله { امسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } وكان ما فعله عليه السلام من باب ترك الاولى فلا يعد ذنبا لان اجتهاده عليه السلام كان فى طلب الاولى والتعرض لعنوان عماه مع ان ذكر الانسان بهذا الوصف يقتضى تحقير شأنه وهو ينافى تعظيمه المفهوم من العتاب على العبوس فى وجهه اما لتمهيد عذره فى الاقدام على قطع كلامه عليه السلام للقوم والايذان باستحقاقه الرفق والرأفة لا الغلظة واما لزيادة الانكار فان أصل الانكار حصل من دلالة المقام كأنه قيل تولى لكونه أعمى وهو لا يليق بخلقه العظيم كما ان الالتفات فى قوله تعالى { وما يدريك } لذلك فان المشافهة أدخل فى تشديد العتاب كمن يشكو الى الناس جانيا جنى عليه ثم يقبل على الجانى اذا حمى فى الشكاية مواجها له بالتوبيخ اى واى شيئ يجعلك داريا وعالما بحاله ويطلعك على باطن امره حتى تعرض عنه اى لا يدريك شئ فتم الكلام عنده فيوقف عليه وليس ما بعده مفعوله بل هو ابتدآء كلام وقال الامام السهيلىرحمه الله انظر كيف نزلت الآية بلفظ الاخبار عن الغائب فقال عبس وتولى ولم يقل عبست وتوليت وهذا شبيه حال الغائب المعرض ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب فقال وما يدريك علما منه تعالى انه لم يقصد بالاعراض عنه الا الرغبة فى الخير ودخول ذلك المشرك فى الاسلام وهو الوليد أو أمية وكان مثله يسلم باسلامه بشر كثير فكلم نبيه عليه السلام حين ابتدار الكلام بما يشبه كلام المعرض عنه العاتب له ثم واجهه بالخطاب تأنيسا له عليه السلام بعد الايحاش فانه قيل ان ابن أم مكتوم كان قد اسلم وتعلم ما كان يحتاج اليه من امور الدين واما اولئك الكفار فما كانوا قد اسلموا وكان اسلامهم سببا لاسلام جمع عظيم فكلامه فى البين سبب لقطع ذلك الخير العظيم لغرض قليل وذلك محرم والا هم مقدم على المهم فثبت بهذا ان فعل ابن أم مكتوم كان ذنبا ومعصية وما فعله النبى عليه السلام كان واجبا فكيف عاتبه الله على ذلك قيل ان الامر وان كان كما ذكر الا ان ظاهر ما فعله الرسول عليه السلام يوهم تقديم الاغنياء على الفقرآء وقلة المبالاة بانكسار قلوب الفقرآء وهو لا يليق بمنصب النبوة لانه ترك الافضل كما اشير اليه سابقا فلذا عاتبه الله تعالى { لعله } اى الاعمى { يزكى } بتشديدين اصله يتزكى اى يتطهر بما يقتبس منك من اوضار الاوزار بالكلية وكلمة لعل مع تحقق التزكى وارد على سنن الكبرياء فان لعل فى كلام العظماء يراد به القطع والتحقيق او على اعتبار معنى الترجى بالنسبة اليه عليه السلام للتنبيه على ان الاعراض عنه عند كونه مرجوا التزكى مما لا يجوز فكيف اذا كان مقطوعا بالتزكى كما فى قولك لعلك ستندم على ما فعلت