التفاسير

< >
عرض

إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ
١
-التكوير

روح البيان في تفسير القرآن

{ اذا الشمس كورت } ارتفاع الشمس على انه فاعل لفعل مضمر يفسره المذكور لا فاعله لان الفاعل لا يتقدم وعند البعض على الابتدآء لان التقدير خلاف الاصل والاول اولى لان اذا فيها معنى الشرط والشرط مختص بالفعل وعلى الوجهين الجملة فى محل الجر باضافة اذا اليها ومعنى كورت لفت من كورت العمامة اذا لففتها بضم بعض اجزآئها لبعض على جهة الاستدارة على ان المراد بذلك اما رفعها وازالتها عن مقرها فان الثوب اذا أريد رفعه عن مكانه وستره بجعله فى صندوق او غيره يلف لفا ويطوى نحو قوله تعالى يوم نطوى السماء فكان بين السماء والرفع علاقة اللزوم فتكويرها كناية عن رفعها قال سعدى المفتى ولا منع من ارادة المعنى الحقيقى ايضا وكون الشمس كرة مصمتة على تسليم صحته لا يمنع من تلك الارادة لجواز أن يحدث الله فيها قابلية التكوير بأن يصيرها منبسطة ثم يكورها ان الله على كل شئ قدير انتهى.
واما لف ضوئها المنبسط فى الآفاق المنتشر فى الاقطار بأن يكون اسناد كورت الى ضمير الشمس مجازيا او بتقدير المضاف على انه عبارة عن ازالتها والذهاب بها بحكم استلزام زوال اللازم لزوال الملزوم فاللف على هذا مجاز عن الاعدام اذ لا مساغ لارادة المعنى الحقيقى لان الضوء لكونه من الاعراض لا يتصور فيه اللف وقال بعضهم ان الله قادر على أن يطمس نورها مع بقائها فقول الكشاف لانها ما دامت باقية كان ضياؤها منبسطا غير ملفوف فيه نظر انتهى وجوابه ما أشير اليه من حكم الاستلزام وقيل معنى كورت ألقيت من فلكها على وجه الارض كما وصفت النجوم بالانكدار من طعنه فكوره اذا ألقاه على الارض وفى الحديث
"ان الشمس والقمر نوران مكوران فى النار يوم القيامة" اى مرميان فيها ولما ذكر هذا الحديث عند الحسن البصرىرحمه الله قال وما ذنبهما وقال الامام سؤال الحسن ساقط لان الشمس والقمر جمادان فالقاؤهما فى النار لا يكون سببا لمضرتهما ولعل ذلك يكون سببا لازدياد الحر فى جهنم وكذا قال الطيبى تكويرهما فيها ليعذب بهما أهل النار لا سيما عباد الانوار لا ليعذبهما فى النار فانها بمعزل عن التكليف بل سبيلهما فى النار سبيل النار نفسها وسبيل الملائكة الموكلين بها انتهى وكذا قال فى تفسير الفاتحة للفنارى ان السماء اذا طويت واحدة بعد واحدة يرمى بكواكبها فى النار.
يقول الفقير قول الحسن أدق فان النور لا يلحق بالنار الا أن يكون فيه مرتبة النارية ايضا فالشمس يلحق نورها بنور العرش ونارها بنار جهنم وقد سبق فى سورة النبأ فارجع فان قيل كيف يمكن تكويرهما فى النار وقد ثبت بالهندسة ان قرص الشمس فى العظم يساوى كرة الارض مائة وستين مرة وربع الارض وثمنها أجيب بان الله تعالى قادر على أن يدخلها فى قشرة جوزة على ذلك العظم.
يقول الفقير قد ثبت ان الله تعالى يمد الارض يوم القيامة فتكون أضعاف ما كانت عليه على ان وسعة الدارين تابعة لكثرة اهلهما ووسعتهم لانه ثبت ان ضرس الكافر مثل جبل احد وجسمه مسيرة ثلاثة ايام فاذا كان جسد كل كافر على هذا الغلظ والعظم فاعتبر منه وسعة جهنم فقرص الشمس فى النار كجوزة فى وسط بيت واسع ولا يعرف حد الدارين الا الله تعالى.