التفاسير

< >
عرض

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ
١٤
-التكوير

روح البيان في تفسير القرآن

{ علمت نفس ما احضرت } اى علمت كل نفس من النفوس ما احضرته على حذف الراجع الى الموصول فنفس فى معنى العموم كما صرح به فى قوله تعالى { يوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضرا } وقوله { هنالك تبلو كل نفس ما اسلفت } وقولهم ان النكرة فى سياق الاثبات لا تعمم بل هى للافراد النوعية غير مطرد ويجوز أن يكون التنوين للافراد الشخصية اشعارا بانه اذا علمت حينئذ نفس من النفوس ما احضرت وجب على كل نفس اصلاح عملها مخافة ان تكون هى التى علمت ما احضرت فكيف وكل نفس تعلمه على طريق قولك لمن تنصحه لعلك ستندم على ما فعلت وربما ندم الانسان على ما فعل فانك لا تقصد بذلك ان ندمه مرجو الوجود لا متيقن به او نادر الوقوع بل تريد ان العاقل يجب عليه ان يجتنب امرا يرجى فيه الندم او قلما يقع فيه فكيف به اذا كان قطعى الوجود كثير الوقوع والمراد بما احضرت اعمالها من الخير والشر وبحضورها اما حضور صحائفها كما يعرب عنه نشرها واما حضور انفسها لان الاعمال الظاهرة فى هذه النشأة بصور عرضية تبرز فى النشأة الآخرة بصور جوهرية مناسبة لها فى الحسن والقبح على كيفيات مخصوصة وهيئات معينة واسناد حضورها الى النفس مع انها تحضر بأمر الله لما انها عملتها فى الدنيا كأنها احضرتها فى الموقف ومعنى علمها بها حينئذ انها تشاهدها على ما هى عليه فى الحقيقة فان كانت صالحة تشاهدها على صور أحسن مما كانت تشاهدها عليه فى الدنيا لان الطاعات لا تخلو فيها عن نوع مشقة وقد ورد حفت الجنة بالمكاره وان كانت سيئة تشاهدها على ما هى عليه ههنا لانها كانت مزينة لها موافقة لهواها كما ورد وحفت النار بالشهوات وقال بعضهم العلم بالاعمال كناية عن المجازاة عليها من حيث ان العلم لازم للمجازاة وقوله علمت الخ جواب اذا على ان المراد بها زمان واحد متسع محيط بما ذكر من اول السورة الا هنا من الاثنى عشر شيأ مبدأ النفخة الاولى ومنتهاه فصل القضاء بين الخلائق لكن لا بمعنى انها تعلم ما تعمل فى كل جزء من اجزاء ذلك الوقت المديد أو عند وقوع داهية من تلك الدواهى بل عند نشر الصحف الا انه لما كان بعض تلك الدواهى من مباديه وبعضها من روادفه نسب علمها بذلك الى زمان وقوع كلها تهويلا للخطب وتفظيعا للحال وعن عمر وابن عباس رضى الله عنهم انهما قرأ السورة فلما بلغا الى قوله علمت نفس ما احضرت قالا لهذه اجريت القصة وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان قارئا قرآها عنده فلما بلغ علمت نفس ما احضرت قال وانقطاع ظهراه اى قاله خوفا من القيامة ومجازاة الاعمال. درآنروز هر نفسى بيندكه باهر خيرى كرامتى وعطا ييست وباهر شرى ملامتى وجزايى برنيكى حسرت خوردكه را زياده تكردم وبريدى اندوه كشدكه جرا مباشر شدم وآن حسرت واندوه هيج فائده ندارد

توامروز فرصت غنيمت شمار كه فردا ندامت نيايد بكار
بكوش اى توانا كه فرمان برى كه در ناتوانى بسى غم خورى

وفى الحديث "المؤمن بين مخافتين عمر قد مضى لا يدرى ما الله صانع فيه واجل قد بقى لا يدرى ما الله قاض فيه فليتزود العبد لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الممات فوالله ما بعد الموت من مستعتب وما بعد الدنيا الا الجنة والنار" وقال الواسطى قدس سره فى الآية علمت كل نفس وايقنت ان ما علمت واجتهدت لا يصلح لذلك المشهد وان من اكرم بخلع الفضل نجا ومن قرن بجزآء اعماله هلك وخاب وفى برهان القرءآن هنا علمت نفس ما احضرت وفى الانفطار وما قدمت وأخرت لان ما فى هذه السورة متصل بقوله واذا القبور بعثرت والقبور كانت فى الدنيا فتتذكر ما قدمت فى الدنيا وما أخرت للعقبى فكل خاتمة لائقة بمكانها وهذه السورة من اولها الى آخرها شرط وجزآء وقسم وجواب.