التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ
٢٣
-التكوير

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولقد رآه } وبالله لقد رأى رسول الله جبريل وفى عين المعانى أبصره لا جنيا { بالافق المبين } افق السماء ناحيتها والمبين من أبان اللازم بمعنى الظاهر بالفارسية روشن. اى بمطلع الشمس الاعلى من ناحية المشرق فالمراد بالافق هنا حيث تطلع الشمس استدلالا بوصفه بالمبين فان نفس الافق لا مدخل له فى تبين الاشياء وظهورها وانما يكون له مدخل فى ذلك من حيث كونه مطلعا لكوكب نير يبين الاشياء والكوكب المبين هو الشمس واسناد الابانة الى مطلعها مجاز باعتبار سببيته لها فى الجملة فان البيان فى الحقيقة لضياء الطالع منه ثم خص من بين المطالع ما هو أعلى المطالع وارفعها وهو المطلع الذى اذا طلعت الشمس منه تكون فى غاية الارتفاع والنهار فى غاية الطول والامتداد وذلك عند ما تكون الشمس عند رأس السرطان قبيل تحولها الى برج الاسد وتوجه النهار الى الانتقاص وانما فعل ذلك حملا للمبين على الكمال فانه كلما كان الكوكب ارفع وأعلى وكلما كان النهار اطول كان البيان والاظهار اتم واكمل روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل ان يترا اى له فى صورته التى خلقه الله عليها فقال "ما اقدر على ذلك" وما ذاك الى فاذن له فأتاه عليها وذلك فى جبل حرآء فى اوآئل البعثة فرآه رسول الله قد ملأ الآفاق بكلكله رجلاه فى الارض ورأسه فى السماء جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وله ستمائة جناح من الزبرجد الاخضر فغشى عليه فتحول جبريل فى صورة بنى آدم وضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه فقيل لرسول الله ما رأيناك منذ بعثت أحسن منك اليوم فقال عليه السلام "جاءني جبريل فى صورته فعلق بى هذا من حسنه" قالوا ما رآه احد من الانبياء غيره عليه السلام فى صورته التى جبل عليها فهو من خصائصه عليه السلام.
واعلم ان وقوع الغشيان انما هو من كمال العلم والاطلاع ألا ترى الى قوله تعالى
{ لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا } فان توليه وامتلاءه من الرعب ليس عن رؤية اجسامهم فقط لانهم اناس مثله وانما هو لما اطلعه الله عليه حين رؤيتهم من العلم كما غشى على جبريل ليلة الاسرآء حين رأى الرفرف ولم يغش على رسول الله وقال عليه السلام فعلمت فضل جبريل فى العلم فكأنه عليه السلام اشار الى فضل نفسه ايضا لما غشى عليه برؤية جبريل على صورته الاصلية وانما لم يغش عليه حين رأى الرفرف كما غشىعلى جبريل لانه اذ ذاك فى نهاية التمكين وفرق بين البداية والنهاية والله اعلم قال القاشانى ولقد رآه بالافق المبين اى نهاية طور القلب الذى يلى الروح وهو مكان القاء النافث القدسى على ان المراد بالرسول روح القدس النافث فى روع الانسان وقال فى التأويلات النجمية اى رأى جبريل الروح حضرة ربه عند افق البقاء بعد الفناء.