التفاسير

< >
عرض

يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ
١٢
-الانفطار

روح البيان في تفسير القرآن

{ يعلمون } لحضورهم وعدم افتراقهم عنكم { ما تفعلون } من الافعال قليلا وكثيرا ويضبطون نفيرا وقطميرا لتجاوزا بذلك (وفى الحديث) "اكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم الا عند احدى الحالتين الجنابة والغائط" قال فى عين المعانى قوله يعلمون يدل على ان السهو والخطأ وما لا تبعة فيه لا يكتب وكذا ما استغفر منه حيث لم يقل يكتبون انتهى وقوله ما تفعلون وان كان عاما لافعال القلوب والجوارح لكنه عام مخصوص بافعال الجوارح لان ما كان من المغيبات لا يعلمه الا الله وفى كشف الاسرار علمهم على وجهين فما كان من ظاهر قول او حركة جوارح علموه بظاهره وكتبوه على جهته وما كان من باطن ضمير يقال انهم يجدون لصالحه رآئحة طيبة والطالحة رآئحة خبيثة فيكتبونه مجملا عملا صالحا وآخر سيئا انتهى وقد مر بيان هذا المقام فى سورتى الزخرف وق فارجع وخص الفعل بالذكر لانه اكثر من القول ولان القول قد يراد به الفعل فاندرج فيه وعن الفضيل انه كان اذا قرأ هذه الآية قال ما اشدها من آية على الغافلين ففيها انذار وتهويل وتشديد للعصاة وتبشير ولطف للمطيعين وفى تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لامر الجزآء وانه عند الله من جلائل الامور حيث يستعمل فيه هؤلاء الكرام فالتعظيم انما هو فى وصفهم بالكرم لا بالكتب والحفظ وطعن بعض المنكرين فى حضور الكاتبين اما اولا فبأنه لو كانت الحفظة وصحفهم واقلامهم معنا ونحن لا نراهم لجاز أن يكون بحضرتنا جبال واشخاص لا نرا وذلك دخول فى الجهالات وجوابه ان الملائكة من قبل الاجسام اللطيفة فحضورهم لا يستلزم الرؤية ألا ترى ان الله امد المؤمنين فى بدر بالملائكة وكانوا لا يرونهم الا من شاء الله رؤيته وكذا الجن من هذا القبيل ولذا قال تعالى يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم فكما ان الهوآء لا يرى للطافته فكذا غيره من اهل اللطافة واما ثانيا فبأن هذه الكتابة والضبط ان كان لا لفائدة فهو عبث والله تعالى متعال عن ذلك وان كان لفائدة فلا بد أن تكون للعبد لان الله متعال عن النفع والضرر وعن تطرق النسيان وغاية ذلك ان يكون حجة على الناس وتشديدا عليهم باقامتها لكن هذه ضعيف لان من علم ان الله لا يجور ولا يظلم لا يحتاج فى حقه الى اثبات هذه الحجة ومن لم يعلم ذلك لاتنفعه لاحتمال ان يحمل على الظلم وجوابه ان الله يجرى اموره على عباده على ما يتعارفونه فى الدنيا بينهم ليكون ابلغ فى تقرير المعنى عندهم من اخراج كتاب واحضار شهود عدل فى الزام الحجة عند الحاكم ولعبد اذا علم ان الله رقيب عليه والملائكة يحفظون اعماله ويكتبونها فى الصحيفة وتعرض على رؤوس الاشهاد يوم القيامة كان ذلك ازجر له عن المعاصى وامنع من السوء واما ثالثا فبأن افعال القلوب غير مرئية فلا يكتبونها مع انها محاسب بها لقوله تعالى { وان تبدوا ما فى انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله } الآية وجوابه ما مر من ان الآية من العام المخصوص من وقد قال الامام الغزالىرحمه الله كل ذكر يشعر به قلبك تسمعه الملائكة الحفظة فان شعورهم يقارن شعورك حتى اذا غاب ذكرك عن شعورك بذهابك فى المذكور بالكلية غاب عن شعور الحفظة ايضا وما دام القلب يلتفت الى الذكر فهو معرض عن الله وفهم من هذا المقال ان قياس اطلاع الملائكة على الوقائع على اطلاع الناس غير مستقيم فان شؤونهم علما وعملا غير شؤون الناس على ان من اصلح من الناس سريرته قد يكشف الضمائر ويطلع على الغيوب باطلاع الله تعالى فما ظنك بالملائكة الذين هم ألطف جسما وأخف روحا.