التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ
٦
-الانفطار

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا أيها الانسان } يعم جميع العصاة ولا خصوص له بالكفار لوقوعه بين المجمل ومفصله اى بين علمت نفس الخ وبين ان الابرار الخ واما قوله بل تكذبون بالدين فمن قبيل بنوا فلان قتلوا زيدا اذا كان القاتل واحدا منهم قال الامام السهيلى رحمه الله قوله يا أيها الانسان يريد امية بن خلف ولكن اللفظ عام يصلح له ولغيره وقيل نزلت فى الوليد بن المغيرة او الاسود بن كلدة الجمحى قصد النبى عليه السلام فى بطحاء مكة فلم يتمكن منه فلم يعاقبه الله على ذلك وفى زهرة الرياض ضرب على يا فوخ رسول الله عليه السلام فأخذه رسول الله وضربه على الارض فقال له يا محمد الامان الامان منى الجفاء ومنك الكرم فانى لا أوذيك ابدا فتركه رسول الله عليه السلام { ما غرك بربك الكريم } ما استفهامية فى موضع الابتدآء وغرك خبره والاستفهام بمعنى الاستهجان والتوبيخ والمعنى اى شئ خدعك وجرأك على عصيانه وأمنك من عقابه وقد علمت ما بين يديك من الدواهى وما سيكون حينئذ من مشاهدة اعمالك كلها يقال غره بفلان اذا جرأه عليه وأمنه المحذور من جهته مع انه غير مأمون والتعرض لعنوان كرمه تعالى للايذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدار الاغترار حسبما يغويه الشيطان ويقول له افعل ما شئت فان ربك كريم قد تفضل عليك فى الدنيا وسيفعل مثله فى الآخرة فان قياس عقيم وتمنية باطلة بل هو مما يوجب المبالغة فى الاقبال على الايمان والطاعة والاجتناب عن الكفر والعصيان كأنه قيل ما حملك على عصيان ربك الموصوف بالصفات الزاجرة عن الداعية ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأها غره جهله وقال الحسن البصرىرحمه الله غره والله شيطانه فظهر أن كرم الكريم لا يقتضى الاغترار به بل هو يقتضى الخوف والحذر من مخالفته وعصيانه من حيث ان اهمال الظالم ينافى كونه كريما بالنسبة الى المظلوم وكذا التسوية بين الموالى والمعادى فاذا كان محض الكرم لا يقتضى الاغترار به فكيف اذا انضم اليه صفة القهر ولله الاسماء المتقابلة ولذا قال { نبئ عبادى انى أنا الغفور الرحيم وان عذابى هو العذاب الأليم } قال القاشانى كان كونه كريما يسوغ الغرور ويسهله لكن له من النعم الكثيرة والمنن العظيمة والقدرة الكاملة ما يمنع من ذلك اكثر من تجويز الكرم اياه وقيل للفضيل بن عياضرحمه الله ان أقامك الله يوم القيامة وقال لك ما غرك بربك الكريم ماذا تقول قال أقول غرتنى ستورك المرخاة ونظمه ابن السماك فقال

يا كاسب الذنب أما تستحى والله فى الخلوة ثانيكا
غرك من ربك امهاله وستره طول مساويكا

قال صاحب الكشاف قول الفضيل على سبيل الاعتراف بالخطا فى الاغترار بالستر وليس باعتذار كما يظنه الطماع ويظن به قصاص الحشوية ويرونه من ائمتهم انما قال بربك الكريم دون صفاته من الجبار والقهار والمنتقم وغير ذلك ليلقن عبده الجواب حتى يقول غرنى كرم الكريم.
يقول الفقير الحق ان هذا الباب مما يقبل الاختلاف بالنسبة الى أحوال الناس فليس من يفهم الاشارة كمن لا يفمهما وكم من فرق بين ذنب وذنب وظن وظن ولذا قال أهل الاشارة ايراد الاسم الكريم من بين الاسماء كأنه من جهة التلقين.

خود تو دادى مزدهء لانقطوا من جرا ترسم زعصيان وعتو
جون توهر شكسته راسازى درست بس خطاها بر آميد عفوتست

وقال يحيى بن معاذرحمه الله غرنى برك سالفا وآنفا

يقول مولاى اما اتستحى مما أرى من سوء أفعالك
فقلت يا مولاى رفقا فقد أفسدنى كثرة افضالك

وعن على رضى الله عنه انه صوت بغلام له مرارا فلم يجبه وهو بالباب فقال لم لم تجبنى فقال لثقتى بحلمك وأمنى من عقوبتك فأعتقه احسانا لقوله وقال بعض أهل الاشارة عجبت من هذا الخطاب الذى فيه تهديد المخالف ومواساة الموافق كيف يخاطب المخالف بخطاب فيه مواساة الموافق ففيه من الرموز ما لا يعرفه الا اهل الاشارة قال بعضهم رأيت فى سوق البصرة جنازة يحملها اربعة وليس معهم مشيع فقلت لا اله الا الله سوق البصرة وجنازة رجل مسلم لا يشيعها احدانى لأشيعها فتبعتها وصليت عليها ولما دفنوه سألتهم عنه قالوا ما نعرفه وانما اكترتنا تلك المرأة وأشاروا الى امرأة واقفة قريبا من القبر ثم انصرفوا فرفعت المرأة يدها الى السماء تدعو ثم ضحكت وانصرفت فتعلقت بها وقلت لا بد أن تخبرينى بقضيتك فقالت ان هذا الميت ابنى ولم يترك شيأ من المعاصى الا فعله فمرض ثلاثة ايام فقال لى يا أمى اذا مت لم تخبرى الجيران بموتى فانهم يفرحون بموتى ولا يحضرون جنازتى ولكن اكتبى على خاتمى لا اله الا الله محمد رسول الله وضعيه فى أصبعى وضعى رجلك على خدى اذا مت وقولى هذا جزآء من عصى الله فاذا دفنتنى فارفعى يديك الى الله وقولى اللهم انى رضيت عنه فارض عنه فلما مات فعلت جميع ما أوصانى به فلما رفعت يدى الى السماء ودعوت سمعت صوته بلسان فصيح انصرفى يا أمى فقد قدمت على رب كريم رحيم فرضى عنى فلذلك ضحكت سرورا بحاله اورده الامام القشيرى فى شرح الاسماء (وفى الحديث الصحيح) "ان الله يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه وستره فيقول أتعرف ذنب كذا فيقول نعم اى رب حتى قرره بذنوبه ورأى فى نفسه انه هلك قال سترتها عليك فى الدنيا وأنا أغفر لك اليوم"