التفاسير

< >
عرض

قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ
٤
-البروج

روح البيان في تفسير القرآن

{ قتل اصحاب الاخدود } جواب القسم بحذف اللام المؤكدة على انه خبر لا دعاء بمعنى لقد قتل اى اهلك بغضب الله ولعنته والاظهر أن الجملة دعائية دالة على الجواب لا خبرية والقتل كناية عن اللعن من حيث ان القتل لكونه اغلظ العقوبات لا يقع الا عن سخط عظيم يوجب الابعاد عن الخير والرحمة الذى هو معنى اللعن فكان القتل من لوازم اللعن كأنه قيل اقسم بهذه الاشياء ان كفار مكة ملعونون كما لعن اصحاب الاخدود وجه الاظهرية ان السورة وردت لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الايمان وتصبيرهم على اذية الكفرة وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الايمان وصبرهم على ذلك حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ويعلموا ان هؤلاء عند الله بمنزلة اولئك المعذبين ملعونون مثلهم احقاء بأن يقال فيهم ما قد قيل فيهم فظهر من هذا التقرير انه ليس دعاء على اصحاب الاخدود من قبل المقسم وهو الله تعالى لانه ليس عاجز وقد سبق تحقيقه فى سورة عبس ونحوها والاخدود الخد فى الارض وهو شق مستطيل كالنهر غامض اى عميق القرار وأصل ذلك من خدى الانسان وهما ما اكتفا الانف على اليمين والشمال وفى عين المعانى ومنه الخد لمجارى الدموع عليه واصحاب الاخدود كانوا ثلاثة وهم انطيانوس الرومى بالشأم وبخت نصر بفارس ويوسف ذو نواس بنجران وهو بتقديم النون وتأخير الجيم موضع باليمن فتح سنة عشر سمى بنجران بن زيدان بن سبأ شق كل واحد منهم شقا عظيما فى الارض كان طوله اربعين ذراعا وعرضه اثنى عشر ذراعا وهو الاخدود وملأوه نارا وألقوا فيه من لم يرتد عن دينه من المؤمنين قالوا والقرءآن انما نزل فى الذين بنجران يعنى ان اصحاب الاخدود هم ذو نواس الحميرى اليهودى وجنوده وذلك ان عبدا صالحا يقال له عبد الله بن الثامر وقع الى نجران وكان على دين عيسى عليه السلام فدعاهم فأجابوه فسار اليهم ذو نواس بجنود من حمير فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا فحفر الخنادق واضرم فيها النيران فجعل يلقى فيها كل من اتبع ابن الثامر حتى أحرق نحوا من اثنى عشر ألفا او عشرين ألفا أو سبعين ألفا وذو نواس اسمه زرعة بن حسان ملك حمير وما حولها وكان ايضا يسمى يوسف وكانت له غدآئر من شعرأى ذوآئب تنوس اى تضطرب فسمى ذا نواس (روى) انه انفلت من اهل نجران رجل اسمه دوس ذو ثعلبان ووجد انجيلا محترقا بعضه فأتى به ملك الحبشة وكان نصرانيا فقال ان اهل دينك اوقدت لهم نار فأحرقوا بها وأحرقت كتبهم وهذا بعضها فأراه الذى جاء به ففزع لذلك فكتب الى صاحب الروم يستمده بنجارين يعملون له السفن فبعث اليه صاحب الروم من عمل له السفن فركبوا فيها فخرجوا الى ساحل اليمن فخرج اليهم اهل اليمن فلقوهم بتهامة واقتيلوا فلم ير ملك حمير له بهم طاقة وتخوف ان يأخذوه فضرب فرسه حتى وقع فى الحرب فمات فيه او ألقى نفسه فى البحر فاستولى الحبشة على حمير وما حولها وتملكوا وبقى الملك لهم الى وقت الاسلام وقال فى كشف الاسرار اصحاب الاخدود ايشان بت برستان بوده انداز اصحاب ذو نواس يمنى ودر زمان او ساحرى بو دكاهنومشعبذكه مدار ملك بدو بودى جون بسن شيخوخه رسيد بعرض ملك رسانيدكه من بير شده ام وضعف كلى بقو اى من راه يافته

ديده ازهر شعاع تيره شود كوش وقت سماع خيره شود
نه زبانرا مجال كويايى نه تن خسته را توانا بى

صلاح درآنست كه جوان عاقل تيزفهم بمن سبارتا آنجه دانسته ام بوى آموزم وبعد ازمن خلفى باشدكه امور ملك بوى منتظم تواند بود.
كما جاء فى حديث المشارق كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر بكسر الباء اى شاخ وطعن فى السن قال للملك انى كبرت فابعث الى غلاما اعلمه السحر فبعث اليه غلاما يعلمه فكان فى طريقه اذا سلك اى الغلام راهب فقعد اليه اى متوجها الى الراهب وسمع كلامه فأعجبه اى اعجب كلام الراهب ذلك الغلام فكان اذا اتى الساحر مر بالراهب وقعد اليه فاذا أتى الساحر ضربه اى ضرب الساحر الغلام لمكثه فشكا ذلك الى الراهب فقال اى الراهب للغلام اذا خشيت الساحر فقل حبسنى قد حبست الناس على أسد أوحية يقال لها بالفارسية ازدر. فقال اى الغلام اليوم اعلم الساحر أفضل ام الراهب أفضل فأخذ حجرا وقال اللهم ان كان أمر الراهب أحب اليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فقال الراهب اى بنى أنت اليوم افضل منى قد بلغ من أمرك ما أدرى وانك ستبتلى فان ابتليت فلا تدل على وكان الغلام يبرئ الاكمه وهو الذى ولد أعمى والابرص ويداوى الناس بسائر الادوآء فسمع جليس للملك كان قد عمى فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما ههنالك اجمع ان أنت شفيتنى قال انى لا اشفى أحدا انما يشفى الله فان آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فاتى الملك فجلس اليه كما كان يجلس فقال الملك من رد عليك بصرك قال ربى فقال أولك رب غيرى قال ربى وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيئ بالغلام فقال له الملك اى بنى قد بلغ من سحرك ما تبرئ به الاكمه والابرص وتفعل وتفعل يعنى تداوى مرضا كذا وتداوى كذا فقال اى الغلام انى لا اشفى أحدا انما يشفى الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دله على الراهب فجيئ بالراهب فقيل ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فى مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيئ بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار فى مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيئ بالغلام فقيل ارجع عن دينك فأبى فدفعه الى نفر من اصحابه فقال لهم اذهبوا به الى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فاذا بلغتم ذروته فان رجع عن دينه والا فاطرحوه فذهبوابه فصعدوا به الجبل فقال اى الغلام اللهم اكفنيهم بما شئت يعنى ادفع عنى شرهم بأى سبب شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشى الى الملك فقال له الملك ما فعل اصحابك قال كفانيهم الله فدفعه الى نفر من اصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه فى قرقور أى سفينة صغيرة فتوسطوا به البحر فان رجع عن دينه والا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة اى مالت وانقلبت فغرقوا وجاء يمشى الى الملك فقال له الملك فما فعل اصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك انك لست بقاتلى حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس فى صعيد واحد اى ارض بارزة وتصلبنى على جذع ثم خذ سهما من كنانتى وهى التى يجعل فيها السهام ثم ضع السهم فى كبد القوس وهو مقبضها عند الرمى ثم قل بسم الله رب الغلام ففعل كما قال الغلام ثم رماه فوقع السهم فى صدغه وهو ما بين العين والاذن فوضع يده على صدغه فى موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له يعنى أتى الملك آث فقال أرأيت ما كنت تحذر والله قد نزل بك حذرك اى والله قد نزل بك ما كنت تحذر منه وتخاف قد آمن الناس فأمر بالاخدود أى بحفر شق مستطيل فى أفواه السكك اى فى أبواب الطرق فخدت اى شقت واضرم النيران اى اوقدها واشعلها وقال من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها اى فاطرحوه فيها كرها ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبى رضيع لها فتقاعست اى تأخرت أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أماه اصبرى فانك على الحق وفى اهلى اى منعونى واذا خشيت اهلك فقل حبسنى الساحر فبينما هو كذلك اذ أتى على دابة عظيمة بعض الروايات كان للمرأة ثلاثة اولاد أحدهم رضيع فقال لها الملك ارجعى عن دينك والا ألقيتك واولادك فى النار فأبت فأخذ ابنها الاكبر فألقاه فى النار ثم قال لها ارجعى عن دينك فأبت فألقى ابنها الاوسط ثم قال ارجعى عن دينك فأبت فأخذوا الصبى ليلقوه فيها فهمت بالرجوع فقال الصبى يا اماه لا ترجعى عن الاسلام فانك على الحق ولا بأس عليك وفى كشف الاسرار فان بين يديك نارا لا تطفأ فألقى الصبى فى النار وامه على اثره وكان هو ممن تكلم فى المهد وهو رضيع وقد سبق عددهم فى سورة يوسف وكانت هذه القصة قبل مولده عليه السلام بتسعين سنة وفيما ذكر من الحديث اثبات كرامات الاولياء وجواز الكذب عند خوف الهلاك سوآء كان الهالك هو الكاذب او غيره وروى ان خربة اختفرت فى زمن عمر بن الخطاب فوجد الغلام الذى قتله الملك وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل وفى بعض التفاسير فوجدوا عبد الله بن الثامر واضعا أصبعه على صدغه فى رأسه اذا اميطت يده عنها سال دمه واذا تركت على حالها انقطع وفى يده خاتم من حديد فيه ربى الله فكتبوا الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ان ذلك الغلام صاحب الاخدود فأتركوه على حاله حتى يبعثه الله يوم القيامة على حاله وعن على رضى الله عنه ان بعض الملوك المجوس وقع على اخته وهو سكران فلما صحا ندم وطلب المخرج فأمرته ان يخطب الناس فيقول ان قد أحل نكاح الاخوات ثم يخطبهم بعد ذلك ويقول ان الله حرمه فخطب فلم يقبلوا منه فقالت له ابسط فيهم السوط ففعل فلم يقبلوا فأمرته بالاخاديد وايقاد النار وطرح من أبى فيها فهم الذين أرادهم تعالى بقوله قتل اصحاب الاخدود.