التفاسير

< >
عرض

وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
٨
ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٩
-البروج

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما نقموا منهم } اى وما انكروا من المؤمنين وما عابوا يقال نقم الامر اذا عابه وكرهه وفى المفردات نقمت الشئ اذا انكرته اما باللسان واما بالعقوبة.
{ الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد } قال بلفظ المضارع مع ان الايمان وجد منهم فى الماضى لارادة الاستمرار والدوام عليه فانهم ما عذبوهم لايمانهم فى الماضى بل لدوامهم عليه فى الآتى ولو كفروا فى المستقبل لم يعذبوا على ما مضى فكانه قيل الا ان يستمروا على ايمانهم واما قوله تعالى حكاية وما تنقم منا الا ان آمنا بآيات ربنا فلان مجرد ايمان السحرة بموسى عليه السلام كان منكرا واجب الانتقام عندهم والاستثناء مفرغ مفصح عن براءتهم مما يعاب وينكر بالكيلة على منهاج قوله

ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم ثلام بنسيان الاحبة والوطن

فى ان ما انكروه ليس منكرا فى الواقع وغير حقيق الانكار كما ان ما جعله الشاعر عيبا ليس عيبا ولا ينبغى ان يعد عيبا ولا يضر ذلك كون الاستثناء فى قول الشاعر مبنيا على الادعاء بخلاف ما فى نظم القرءآن فانهم انكروا الايمان حقيقة ووصفه تعالى بكونه عزيزا غالبا يخشى عقابه حميدا منعما يرجى ثوابه وتأكيد ذلك بقوله { الذى له ملك السموات والارض } للاشعار بمناط ايمانهم والملك بالفارسية بادشاهى. وأخر هذه الصفة لان الملك التام لا يحصل الا عند حصول الكمال فى القدرة التى دل عليها العزيز وفى العلم الذى دل عليه الحميد لان من لا يكون تام العلم لا يمكنه ان يفعل الافعال الحميدة وفى كشف الاسرار وانما وصف ذاته بهذه الصفات ليعلم انه لم يمهل الكفار لاجل أنه غير قادر لكنه أراد أن يبلغ بهؤلاء المؤمنين مبلغا من الثواب لم يكونوا يبلغونه الا بمثل ذلك الصبر وان يعاقب اولئك الكافرين عقابا لم يكونوا يستوجبونه الا بمثل ذلك الفعل وكان قد جرى بذلك قضاؤه على الفريقين جميعا فى سابق تدبيره وعلمه وفيه تشنيع على الكفار بغاية جهلهم حيث عدوا ما هو منقبة هى سبب المدح منقصة هى سبب القدح.
{ والله على كل شئ شهيد } وخدا رهمه جيزها ازافعال واقوال مؤمن وكافر كواهست وبآن دانا. وهو وعد لهم ووعيد شديد لمعذبيهم فان علمه تعالى بجميع الاشياء التى من جملتها أعمال الفريقين يستدعى توفير جزآء كل منهما حتما قال الامام القشيرى الشهيد العليم ومنه قوله تعالى شهد الله اى علم الله والشهيد الحاضر وحضوره بمعنى علمه ورؤيته وقدرته والشهيد مبالغة من الشاهد واذا علم العبد أن الله تعالى شهيد يعلم أفعاله ويرى أحواله سهل عليه ما يقاسيه لاجله (حكى) ان رجلا كان يضرب بالسيات وهو يصبر ولا يصيح فقال له بعض الحاضرين أما يؤلمك الضرب فقال نعم قال فلم لا تصيح قال فى الحاضرين لى محبوب يرقبنى فأخاف أن يذهب ماء وجهى عنده ان صحت فمن ادعى محبة الحق ولم يصبر على قرص نملة او بعوضة او ادنى أذية كيف يكون صادقا فى دعواه ولذا قالوا دلت القصة على ان المكره على الكفر بنوع من العذاب الاولى أن يصبر على ما خوف منه وان كان اظهار الكفر كالرخصة فى ذلك (حكى) ان مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب النبى عليه السلام فقال لاحدهما تشهد أنى رسول الله فقال نعم فتركه وقال للآخر مثله فقال لا بل أنت كذاب فقتله فقال النبى عليه السلام
"اما الذى تركه فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه واما الذى صبر فأخذ بالفضل فهنيئا له" وفى التأويلات النجمية والله على كل شئ من سموات الارواح وأرض الاشباح والاجساد شهيد اى حاضر لمظهرية الكل وظهوره فيها ذاتا وصفات واسماء لاستلزام الذات جميع التوابع الوجودية.