التفاسير

< >
عرض

وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ
٢٣
يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي
٢٤
-الفجر

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجيئ يومئذ بجهنم } كقوله تعالى وبرزت الجحيم يعنى ان المجيئ بها عبارة عن اظهارها حتى يراها الخلق مع ثباتها فى مكانها فان من المعلوم انها لا تنفك عن مكانها والباء للتعدية على ان جهنم قائم مقام الفاعل لجيئ وقال ابن مسعود رضى الله عنه ومقاتل تقاد جهنم بسبعين ألف زمام معه سبعون ألف ملك يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير يعنى دوزخ ازخشم كافران مى جوشدومى خروشد.
فتشرد شردة لو تركت لاحرقت أهل الجمع ويجثو كل نبى وولى من الهول والهيبة على ركبته ويقول نفسى نفسى حتى يعترض لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويقول امتى امتى فتقول النار مالى ومالك يا محمد لقد حرم الله لحمك على فالمجيئ بها على حقيقته فان الجر يدل على انفكاكها عن مكانها وتأوله الاولون بحمله على التجوز بان معنى يجرون يباشرون اسباب ظهورها.
يقول الفقير لا حاجة الى الحمل على التجوز فان بعض الامكنة كالكعبة تزور بعض الخواص بالايجاد والاعدام اللذين هما اسراع شئ من طرفة العين فلا بعد فى ان يكون مجيئ جهنم من هذا القبيل على ان الارض يومئذ اوسع شئ كما بين فيما سبق فهى تسع جهنم وأهل المحشر جميعا وايضا المراد بمجيئ جهنم مجيئ صورتها المثالية ولا مناقشة فيكون فيه كمجيئ المسجد الاقصى الى مرأى النبى عليه الصلاة والسلام حين سأله قريش عن بعض اوصافه قى قصة المعراج { يومئذ } بدل من اذا دكت والعامل فيها قوله تعالى { يتذكر الانسان } اى يتذكر ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره واحكامه او بمعاينة عينه على ان الاعمال تتجسم فى النشأة الآخرة فيبرز كل من الحسنات والسيئات بما يناسبها من الصور الحسنة والقبيحة او يتعظ اى يقبل التذكير والارشاد الذى بلغ اليه فى الدنيا ولم يتعظ ولم يقبله فى الدنيا فيتعظ به فى الآخرة فيقول يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا وهذا الاتعاظ يستلزم الندم على تقصيراته والندم توبة لكن لا توبة هناك لفوت الوقت قال القاشانى يوم يتذكر الانسان خلاف ما اعتقده فى الدنيا وصار هيئة فى نفسه من مقتضيات فطرته فان ظهور البارئ بصفة القهر والملائكة بصفة التعذيب لا يكون الا لمن اعتقد خلاف ما ظهر عليه بما هو فى نفس الامر كالمنكر والنكير { وأنى له الذكرى } اعتراض جيئ به لتحقيق انه ليس يتذكر حقيقة لعرآئه عن الجدوى بعدم وقوعه فى اوانه وأنى خبر مقدم للذكرى وله متعلق بما تعلق به الخبر أى ومن اين يكون له الذكرى وقد فات أوانها وقيل هناك محذوف واللام للنفع اى انى له منفعة الذكرى وبه يرتفع التناقض الواقع بين اثبات التذكر اولا ونفيه ثم انه تعالى لما نفى كون هذه الذكرى والتوبة نافعة له بقوله وأنى له الذكرى علمنا انه لا يجب قبول التوبة كما ذهب اليه المغزلة وفى الارشاد والاستدلال به على عدم وجواب قبول التوبة فى دار التكليف يعنى عقلا كما تزعم المعتزلة مما لا وجه له على ان تذكره ليس من التوبة فى شئ فانه علم بانها انما تكون فى الدنيا كما يعرب عنه قوله تعالى { يقول يا } أيها الحاضرون{ ليتنى } كاشكى من { قدمت لحياتى } وهو بدل اشتمال من يتذكر أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ عنه كأنه قيل ماذا يقول عند تذكره فقيل يقول يا ليتنى عملت لاجل حياتى هذه يعنى لتحصيل الحياة الاخروية التى هى حياة نافعة دآئمة غير منقطعة اعمالا صالحة انتفع بها اليوم او وقت حياتى على ان اللام بمعنى فى للتوقيت ويجوز أن يكون المعنى قدمت عملا ينجينى من العذاب فأكون من الاحياء قال تعالى
{ لا يموت فيها ولا يحيى } . واعلم ان أهل الحق لا يسلبون الاختيار بالكلية وليس فى هذا التمنى شائبة دلالة على استقلال العبد بفعله كما يزعمه المعتزلة وانما الذى يدل عليه ذلك اعتقاد كونه متمكنا من تقديم الاعمال الصالحة واما ان ذلك بمحض قدرته او بخلق الله عند صرف قدرته الكاسبة اليه فلا واما ما قيل من ان المحجور قد يتمنى ان كان ممكناه منه وموفقا له فربما يوهم ان من صرف قدرته الى احد طرفى الفعل يعتقد انه محجور من الطرف الآخر وليس كذلك بل كل احد جازم بأنه لو صرف قدرته الى اى طرف كان من افعاله الاختيارية لحصل وعلى هذا يدور فلك التكليف والزام الحجة.