التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
١١٣
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ما كان للنبى والذين آمنوا } بالله وحده اى ما صح لهم وما استقام فى حكم الله تعالى وحكمته { أن يستغفروا } اى يطلبوا المغفرة { للمشركين } به سبحانه { ولو كانوا } اى المشركون { أولى قربى } اى ذوى قرابة لهم { من بعد ما تبين لهم } اى ظهر للنبى عليه السلام والمؤمنين { أنهم } اى المشركين { اصحاب الجحيم } اى اهل النار بان ماتوا على الكفر او نزل الوحى بانهم يموتون على ذلك - "روى- انه لما مرض ابو طالب وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد مضى عشر سنين من بعثته عليه السلام وبلغ قريشا اشتداد مرضه قال بعضهم لبعض ان حمزة وعمر قد اسلما وقد فشا امر محمد فى قبائل قريش كلها فانطلقوا بنا الى ابى طالب فليأخذ لنا على ابن اخيه وليعطه منا فانا والله ما نأمن من ان يسلموا امرنا وفى رواية انا نخاف ان يموت هذا الشيخ فيكون منا شئ اى قتل محمد فتعيرنا العرب ويقولون تركوه حتى اذا مات عمه تناولوه فمشى اليه اشرافهم منه عتبة وشيبة ابنا ربيعة وابو جهل وامية بن خلف وابو سفيان فانه اسلم ليلة الفتح فارسلوا رجلا فاستأذن لهم على بن ابى طالب فقال هؤلاء اشراف قومك يستأذنون عليك قال ادخلهم فدخلوا عليه فقالوا يا ابا طالب انت سيدنا وكبيرنا وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك وقد علمت الذى بيننا وبين ابن اخيك فادعه فخذله منا وخذلنا منه ليدعنا وديننا وندعه ودينه فبعث اليه عليه السلام ابو طالب فجاء ولما دخل عليه السلام على ابى طالب وكان بين ابى طالب وبين القوم فرجة تسع الجالس فخشى ابو جهل ان يجلس النبى عليه السلام فى تلك الفرجة فيكون ارقى منه وثب لعنه الله فجلس فيها فلم يجد عليه السلام مجلسا قريبا الى ابى طالب فجلس عند الباب فقال ابو طالب لرسول الله عليه السلام يا ابن اخى هؤلاء اشراف قومك اعطهم ما سألوك فقد انصفوك سألوا ان تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك والهك فقال عليه السلام أرأيتكم ان اعطيتكم ما سألتم فهل تعطوننى كلمة واحدة تملكون بها العرب ويدين لكم بها العجم
(اى يطيع ويخضع) فقال ابو جهل نعطيكها وعشرا معها فما هى قال تقولون لا اله الا الله وتخلعون ما تعبدون من دونه فصفقوا بايديهم ثم قالوا سلنا يا محمد غير هذه الكلمة فقال لو جئتمونى بالشمس حتى تضعوها فى يدى ما سألتكم غيرها ثم قال بعضهم لبعض والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئاً مما تريدون فامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبيه ثم تفرقوا وعند ذلك قال عليه السلام اى عم فانت فقلها اشهد لك بها عند الله فقال والله يا ابن اخى لولا مخافة العار عليك وعلى بنى ابيك من بعدى ان تظن قريش انى انما قلتها خوفا من الموت لقلتها فلما ابى عن كلمة التوحيد قال عليه السلام لا ازال استغفر لك ما لم انه عنه وذلك لغلبة همته على مغفرته لانه كان يحفظه عليه السلام وبنصره ولما مات نالت قريش من رسول الله من الاذى ما لم تكن تطمع فيه فى حياة ابى طالب حتى"
ان بعض سفهاء قريش نثر على رأس النبى عليه السلام التراب فدخل بيته والتراب على رأسه فقام اليه بعض بناته وجعلت تزيله عن رأسه وتبكى ورسول الله يقول لها "لا تبكى يا بنية فان الله مانع اباك" فبقى عليه السلام يستغفر لأبى طالب من ذلك الوقت الى وقت نزول هذه الآية "وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن ابويه ايهما اقرب به عهدا فقيل له امك آمنة فقال هل تعلمون موضع قبرها لعلى آتيه فاتستغفر لها فان ابراهيم عليه السلام استغفر لابويه فقال المسلمون ونحن ايضا نستغفر الله لآبائنا واهلينا فانطلق رسول الله وذلك فى سنة الفتح فانتهى الى قبر امه فى الابواء منزل بين مكة والمدينة" وذلك انه عليه السلام ولد بعد ان توفى ابوه عبد الله ودفن بالمدينة لما انه قد خرج اليها لحاجة فادركه الموت هناك وكان عليه السلام مع امه آمنة فلما بلغ ست سنين خرجت آمنة الى اخوالها بالمدينة تزورهم ثم رجعت به الى مكة فلما كانت بالابواء توفيت هناك وقيل دفنت بالحجون ويمكن الجمع بينهما بانها دفنت اولا بالابواء ثم نقلت من ذلك المحل الى مكة كما فى السيرة الحلبية فلما "جلس عليه السلام عند قبر امه ناجى طويلا ثم بكى بكاء شديدا فبكينا لبكائه فقلنا يا رسول الله ما الذى ابكاك قال استأذنت ربى فى زيارة قبر امى فاذن لى فاستأذنته فىالاستغفار لها فلم يأذن لى وانزل علىّ الآيتين آية { ما كان للنبى } وآية { وما كان استغفار ابراهيم }"
. قال بعضهم لا مانع من تكرر سبب النزول فيجوز ان تنزل الآيتان لما استغفر لامه ولما استغفر لعمه.
يقول الفقير سامحه القدير فيه بعد لانه ان سبق النزول لاستغفار امه فكيف يبقى النبى عليه السلام على استغفار عمه وقد ثبت ان هذه السورة الكريمة من آخر القرآن نزولا وكذا العكس ومن ادعى الفرق بين الاستغفارين فعليه البيان