التفاسير

< >
عرض

وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ
١٢
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وإن نكثوا } عطف على قوله تعالى { { فان تابوا } } [التوبة: 11] اى وان لم يفعلوا ذلك بل نقضوا { أيمانهم من بعد عهدهم } الموثق بها واظهروا ما فى ضمائرهم من الشر واخرجوه من القوة الى الفعل { وطعنوا فى دينكم } عابوه وقدحوا فيه بتصريح التكذيب وتقبيح الاحكام { فقاتلوا } [بس بكشيد] { ائمة الكفر } اى فقاتلوهم فوضع الظاهر موظع الضمير للاشارة الى علة وجوب مقاتلتهم اى للايذان بانهم صاروا بذلك ذوى رياسة وتقدم فى الكفر احقاء بالقتل وقيل المراد بائمتهم رؤساؤهم كابى سفيان والحرث ابن هشام وابى جهل بن هشام وسهل بن عمرو وعكرمة بن ابى جهل واشاههم وتخصيصهم بالذكر ليس لنفى الحكم عما عداهم بل لان قتلهم اهم من حيث انهم هم المعتدون فى الشرارة ويدعون اتباعهم الى الافعال الباطلة كأنه قيل فقاتلوا من نكث الوفاء بالعهود لا سيما ائمتهم والرؤساء منهم. واصل ائمة أاممة جمع امام نحو مثال وامثلة { انهم لا أيمان لهم } اى على الحقيقة حيث لا يراعونها ولا يعدون نقضها محذورا وان اجروها على ألسنتهم فالمراد بالايمان المثبتة لهم بقوله تعالى { وان نكثوا ايمانهم } ما اظهروه من الايمان وبالمنفية ما هو ايمان على الحقيقة فانهم اذا لم يراعوها فلا وجود لها فى الحقيقة ولا اعتبار بها لان ما لم يترتب عليه احكامه ولوازمه فهو فى حكم المعدوم وهو تعليل لاستمرار القتال المأمور به المستفاد من سياق الكلام كأنه قيل فقاتلوهم الى ان يؤمنوا لانهم لا ايمان لهم حتى تعقدوا معهم عقداً آخر { لعلهم ينتهون } متعلق بقوله فقاتلوا اى قاتلوهم ارادة ان ينتهوا اى ليكن غرضكم من القتال انتهاءهم عماهم عليه من الكفر وسائر العظائم التى يرتكبونها لا ايصال الاذية كما هو ديدن المؤذين والاذية هو المكروه اليسير.
اقول فيه اشارة الى ان الفاعل ينبغى ان يكون له غرض صحيح شرعى فى فعله كدفع المضرة فى قتل القملة والنملة واشباههما لا ارادة التشفى والانتقام وايصال الاذى والآلام للقرص او لغيره وليكن هذا على ذكر من الصوفية المحتاطين فى كل الامور والساعين فى طريق الفناء الى يوم ينفخ فى الصور.
قال الحدادى فى الاية بيان ان اهل العهد متى خالفوا شيأ مما عاهدوهم عليه فقد نقضوا العهد واما اذا طعن واحد منهم فى الاسلام فان كان شرط فى عهودهم ان لا يذكروا كتاب الله ولا يذكروا محمدا صلى الله عليه وسلم بما لا يجوز ولا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يقطعوا عليه طريقا ولا يعينوا اهل الحرب بدلالة على المسلمين فانهم اذا فعلوا ذلك فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسول الله فان فعلوا شيئاً من هذه الاشياء حل دمهم وان كان لم يشرط ذلك عليهم فى عهودهم وطعنوا فى القرآن وشتموا النبى عليه الصلاة والسلام ففيه خلاف من الفقهاء قال اصحابنا يعزرون ولا يقتلون واستدلوا بما
"روى انس بن مالك ان امرأة يهودية أتت النبى عليه السلام بشاة مسمومة ليأكل منها فجيئ بها وقيل له أنقتلها فقال" لا ولحديث عائشة رضى الله عنها "فان الله عز وجل يحب الرفق فى امره كله فقالت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا فقال بلى قد قلت عليكم" ولم يقتلهم النبى عليه السلام بذلك وذهب مالك الى ان من شتم النبى عليه السلام من اليهود والنصارى قتل الا ان يسلم انتهى ما فى تفسير الحدادى.
قال ابن الشيخ فى الآية دليل على ان الذمى اذا طعن فى الاسلام اى عابه وازدراه جاز قتله لانه عوهد على ان لا يطعن فى الدين فاذا طعن فقد خرج عن الذمة وعند ابى حنيفة يستتاب الذمى بطعنه فى الدين ولا ينقض عهده بمجرد طعنه ما لم يصرح بالنكث انتهى.
قال المولى اخى جلبى فى هدية المهديين الذمى اذا صرح بسبه عليه السلام او عرض او استخف بقدره او وصفه بغير الوجه الذى كفر به فلا خلاف عند الشافعى فى قتله ان لم يسلم لانه لم يعط له الذمة او العهد على هذا وهو قول عامة العلماء الا ان ابا حنيفة والثورى واتباعهما من اهل الكوفة قالوا لا يقتل لان ما هو عليه من الشرك اعظم لكن يعزر ويؤدب. وقيل لا يسقط اسلام الذمى الساب قتله لانه حق النبى عليه السلام وجب عليه لهتكه حرمته وقصده لحاق النقيصة والمعرة به عليه السلام فلم يكن رجوعه الى الاسلام مسقطا له كما لم يسقط سائر حقوق المسلمين قبل اسلامه من قتل او قذف واذا كنا لا نقبل توبة المسلم فلان لا نقبل توبة الكافر اولى كما فى الاسرار والحاوى فالمختار ان من صدر منه ما يدل على تخفيفه عليه السلام بعمد وقصد من عامة المسلمين يجب قتله ولا تقبل توبته بمعنى الخلاص من القتل وان اتى بكلمتى الشهادة والرجوع والتوبة لكن لو مات بعد التوبة او قتل حدّا مات ميتة الاسلام فى غسله وصلاته ودفنه ولو اصر على السب وتمادى عليه وابى التوبة منه فقتل على ذلك كان كافرا وميراثه للمسلمين ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يكفن بل تستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار. والفرق بين من سب الرسول وبين من سب الله على مشهور القول باستتابته ان النبى عليه السلام بشر والبشر من جنس تلحقهم المعرة الا من اكرمه الله تعالى بنبوته والبارى منزه عن جميع المعائب قطعا وليس من جنس تلحقهم المعرة بجنسه.
واعلم انه قد اجتمعت الامة على ان الاستخفاف بنبينا وبأى نبى كان من الانبياء كفر سواء فعله فاعل ذلك استحلالا ام فعله معتقدا بحرمته ليس من بين العلماء خلاف فى ذلك والقصد للسب وعدم القصد سواء اذ لا يعذر احد فى الكفر بالجهالة ولا بدعوى زلل اللسان اذا كان عقله فى فطرته سليما. فمن قال ان النبى صلى الله عليه وسلم كان اسود او يتيم ابى طالب او زعم ان زهده لم يكن قصدا بل لكمال فقره ولو قدر على الطيبات اكلها ونحو ذلك يكفر وكذا من عيره برعاية الغنم او السهو او النسيان او السحر او بالميل الى نسائه او قال لشعره شعير بطريق الاهانة وان اراد بالتصغير التعظيم لا يكفر ومن قال جن النبى ساعة يكفر ومن قال اغمى عليه لا يكفر -وحكى- عن ابى يوسف انه كان جالسا مع هارون الرشيد على المائدة فروى عن النبى عليه السلام انه كان يحب القرع فقال حاجب من حجابه انا لا احبه فقال لهارون انه كفر فان تاب واسلم فبها والا فاضرب عنقه فتاب واستغفر حتى امن من القتل ذكره فى الظهيرية قالوا هذا اذا قال ذلك على وجه الاهانة اما بدونها فلا فى كما فى الخاقانية ولو قال رجل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اكل يلحس اصابعه الثلاث فقال الآخر [اين بى ادبيست] فهذا كفر والحاصل انه اذا استخف سنة او حديثا من احاديثه عليه السلام يكفر ولو قال لو كانت الصلاة زائدة على الاوقات الخمسة او الزكاة على خمسة دراهم والصوم على شهر لا افعل منها شيأ يكفر ولو قال لآخر صل فقال الآخر ان الصلاة عمل شديد الثقل يكفر ولو صلى رجل فى رمضان لا فى غيره فقال [اين خود بسارست] يكفر ولو ترك الصلاة متعمدا ولم ينو القضاء ولم يخف عقاب الله فانه يكفر ولو قال عند مجيئ شهر رمضان [آمد آن ماه كران] او جاء الضيف الثقيل يكفر.
ومن اشارات الآيات ان الطعن في الدين هو الانكار على مذهب السلوك والطلب وائمة الكفر هم النفوس كما ان ائمة الايمان هم القلوب والارواح والنفوس لا وفاء لهم بالعهد على طلب الحق تعالى وترك ما سواه فلا بد من جهادهم حق جهادهم كى ينتهوا عن طبيعتهم وعما جبلوا عليه من الامارية بالسوء