التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٢٧
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ثم يتوب الله من بعد ذلك } [از بس اين جنك] { على من يشاء } ان يتوب عليه منهم لحكمة تقتضيه اى يوفقه للاسلام { والله غفور } يتجاوز يتجاوز وزعما سلف منهم من الكفر والمعاصى { رحيم } يتفضل عليهم ويثيبهم - روى - ان ناسا منهم جاؤا رسول الله وبايعوه على الاسلام وقالوا يا رسول الله انت خير الناس وابر الناس وقد سبى اهلونا واولادنا واخذت اموالنا فقال عليه السلام "ان عندى ما ترون ان خير القول اصدقه اختاروا اما ذراريكم ونساءكم واما اموالكم" قالوا ما كنا نعدل بالاحساب شيئاً هو جمع حسب وهو ما يعد من المفاخر كنوا بهذا القول عن اختيار ما سبى منهم من الذرارى والنسوان على استرجاع الاموال فان ترك الذرارى والنسوان فى ذل الاسر واختيار استرجاع الاموال عليها يفضى الى الطعن فى احسابهم وينافى المروءة فقام النبى عليه السلام فقال "ان هؤلاء جاؤنا مسلمين وانا خيرناهم بين الذرارى والاموال فلم يعدلوا بالاحساب شيئاً فمن كان بيده سبى وطابت نفسه ان يرد فشأنه" اى فيلزم شأنه "وليفعل ما طاب له ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئاً فنعطيه مكانه" قالوا رضينا وسلمنا فقال عليه السلام "انا لا ندرى لعل فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك الينا" فرفعت اليه العرفان انهم قد رضوا ثم قال صلى الله تعالى عليه وسلم "لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف"" قالوا يا رسول الله هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف فقال صلى الله عليه وسلم "اخبروه انه ان اتانى مسلما رددت عليه اهله وماله واعطيته مائة من الابل" فلما بلغ هذا الخبر نزل من الحصن مستخفيا خوفا ان تحبسه ثقيف اذا علموا الحال وركب فرسه وركضه حتى اتى الدهناء محلا معروفا وركب راحلته ولحق برسول الله فادركه بالجعرانة واسلم فرد عليه اهله وماله واستعمله عليه السلام على من اسلم من هوازن وكان مالك بن عوف بعد ذلك ممن افتتح عامة الشأم.
ثم فى القصة اشارات.
منها ان عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الواقعة كانوا فى غاية الكثرة والقوة فلما اعجبوا بكثرتهم صاروا منهزمين فلما تضرعوا فى حال الانهزام الى الله تعالى قواهم حتى انهزموا عسكر الكفار وذلك يدل على ان الانسان متى اعتمد على الدنيا فاته الدين ومتى اطاع الله ورجح الدين على الدنيا اتاه الله الدين والدنيا على احسن الوجوه. وكما ان اكثر الاسباب الصورية وان كان مدارا للفتح للصورى لكنه فى الحقيقة لا يحصل الا بمحض فضل الله. فكذا كثرة الاعمال والطاعات وان كانت سببا للفتح المعنوى لكنه فى الحقيقة ايضا لا يحصل الا بخصوص هداية الله تعالى فلا بد من العجر والافتقار والتضرع الىالله الغفار: قال الحافظ

تكيه برتقوى ودانش در طريقت كافريست راهرو كرصد هنر دارد توكل بايدش

ومنها ان المؤمن لا يخرج من الايمان وان عمل الكبيرة لانهم قد ارتكبوا الكبيرة حيث هربوا وكان عددهم اكثر من عدد المشركين فسماهم الله تعالى مؤمنين فى قوله { { ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } [التوبة: 26] وذلك لان حقيقة الايمان هو التصديق القلبى فلا يخرج المؤمن عن الاتصاف به الا بما ينافيه ومجرد الاقدام على الكبيرة لغلبة شهوة او غيرة جاهلية او عار او كسل او خوف خصوصا ان اقترن به خوف العقاب ورجاء العفو والعزم على التوبة لا ينافيه قال الحافظ

بيوش دامن عفوى بزلت من مست كه آب روى شريعت بدين قد نرود

وقال السعدى

برده از روى لطف كوبردار كه اشقيارا اميد مغفرتست

ومنها انه صلى الله تعالى عليه وسلم لم ينهزم قط فى موطن من المواطن. واما ما روى عن سلمة ابن الاكوع رضى الله عنه مررت برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم منهزما فمنهزما حال من سلمة لامن النبى عليه السلام.
قال القاضى عبد الله بن المرابط من قال ان نبى الله عليه السلام هزم فى بعض غزواته يستتاب فان تاب فبها ونعمت. والا قتل فانه نسب اليه ما لا يليق بمنصبه وألحق به نقصا وذلك لا يجوز عليه اذ هو على بصيرة. من امره ويقين من عصمته وقد اعطاه الله تعالى من الشجاعة ورباطة الجاش ما لم يعط احدا من العالمين فكيف يتصور الانهزام فى حقه

شاهى وملائكه سباهست خلق تو عظيم وحق كواهست

ومنها ان ذا القعدة شهر شريف ينبغى ان يعرف قدره ويجاهد المرء فيه نفسه وهو الثلاثون يوما التى واعد الله فيه موسى عليه السلام وامره ان يصومها حتى يجيء بعدها الى طور المناجاة والمكالمات والمشاهدات.
قال كعب الاحبار رضى الله عنه اختار الله الزمان فاحبه اليه الاشهر الحرم وذو القعدة من الاشهر الحرم بلا خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال وعن قتادة قال سألت أنسا كم اعتمر النبى عليه السلام قال اربعاء عمرة الحديبية فى ذى القعدة حيث صده المشركون. وعمره من العام القابل حيث صالحهم. وعمرة الجعرانة اذ قسم غنيمة اراها حنين قلت كم حج قال واحدة ومعناه بعد الهجرة الى المدينة فانه صلى الله عليه وسلم قد حج قبلها كما فى عقد الدرر واللآلى وكذا قال صاحب الروضة وفى السنة التاسعة حج ابو بكر رضى الله عنه بالناس. وفى العاشرة كانت حجة الوداع ولم يحج النبى عليه السلام بعد الهجرة سواها وحج قبل النبوة وبعدها حجات لم يتفق على عددها واعتمر بعد الهجرة اربع عمر وفى هذه السنة مات ابراهيم اين النبى عليه السلام. وفى الحادية عشرة فانه صلى الله عليه وسلم انتهى اللهم اختم لنا بالخير واجعل لنا فى رياض انسك مبوأ ومنزلا وفى حظائر قدسك مستقرا ومقاما وموئلا