التفاسير

< >
عرض

ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٤١
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ انفروا } اى اخرجوا ايها المؤمنون مع النبى عليه السلام الى غزوة تبوك.
قال تاج المصادر النفير والنفور [بسفر بيرون شدن] { خفافا وثقالا } جمع خفيف وثقيل اى حال كونكم شبانا وشيوخا او فقراء او اغنياء او ركبانا ومشاتا او اصحاء ومرضى او عزبا او متأهلين او خفافا مسرعين خارجين ساعة استماع النفير وثقالا بعد التروية فيه الاستعداد له او مقلين من السلاح ومكثرين منه او نشاطا وغير نشاط اى خفت عليكم الحركة او ثقلت او مشاغيل وغير مشاغيل او مهازيل وسمانا واقوياء وضعفاء يا غريبان وكدخدايان كما فى الكاشفى وهذا ليس لتخصيص الامرين المتقابلين بالارادة من غير مقارنة للباقى.
قال المولى ابو السعود اى على أى حال كان من يسر او عسر بأى سبب كان من الصحة والمرض او الغنى والفقر او قلة العيال وكثرتهم او غير ذلك مما ينتظمه مساعدة الاسباب وعدمها بعد الامكان والقدرة فى جمله.
"وعن ابن مكتوم اعلىّ ان انفر فقال عليه السلام نعم فرجع الى اهله فلبس سلاحه ووقف بين يديه فنزل قوله تعالى { ليس على الاعمى حرج }" [الفتح: 17] وعن ابن عباس رضى الله عنهما نسخت بقوله تعالى { { ليس على الضعفاء ولا على المرضى } [التوبة: 91].
الآية [سلمى ميكويد سبك روحان بارتكاب طاعات وكران باران از مباشرت مخالفات. امام قشيرى ميفرمايد كه خفاف آنانندكه از بند شهود ما سوى آزادند وثقال ايشانند كه بقيد تعلقات مقيدانند] وفى بحر الحقائق انفروا ايها الطلاب فى طلب الحق خفافا مجردين عن علائق الاولاد والاهالى منقطعين عن عوائق الاموال والاملاك وثقالا متمولين ومتأهلين وايضا خفافا مجذوبين بالعناية وثقالا سالكين بالهداية [يعنى خفاف مجذوبانند از كشش عنايت براه سلوك در آمده وثقال سالكانندكه بيرورش متوجه جذبه حقانى شده هردو طائفه درراهند اما يكى ببال كشش مى برد ويكى بباى كوشش راه ميبرد آنكه بياميره د درهر قدمى عالمى زير باميكند وآنكه ببال اقبال مى برديدم بساط مشاهدة ما سوى را طى مى كند]

مرد عارف جون بدان برمى برد در دمى از نه فلك مى بكذرد
سير زاهد در دمى يك روزه راه سير عارف هر زمان تا تخت شاه

{ وجاهدوا } [وجهاد كنيد] والجهاد فى الاصطلاح قتال الكفار لتقوية الدين كما فى شرح الترغيب المنذرى وهو المراد بما فى خالصة الحقائق نقلا عن اهل الحكمة الجهاد بذل المجهود وقتال المتمردين حملا لهم على الاسلام ومنعا لهم عن عبادة الاصنام.
واعلم ان الجهاد لا ينافى كونه عليه السلام نبى الرحمة وذلك انه مأمور بالجهاد مع من حالفه من الامم بالسيف ليرتدعوا عن الكفر وقد كان عذاب الامم المتقدمة عند مخالفة انبيائهم بالهلاك والاستئصال فاما هذه الامة فلم يعالجوا بذلك كرامة لنبيهم عليه السلام ولكن يجاهدوا بالسيف وله بقية بخلاف العذاب المنزل وقد روى ان قوما من العرب قالوا يا رسول الله افنانا السيف فقال
"ذلك ابقى لآخركم"
.كذا فى ابكار الافكار { باموالكم } [بمالهاى خودكه تهيئه زاد وسلاح كنيد] { وأنفسكم } [وبنفسهاى خو كه مباشر كار زار كرديد] فهو ايجاب للجهاد بهما ان امكن وباحدهما عند امكانه واعواز الآخر حتى ان من ساعده النفس والمال يجاهد بهما ومن ساعده المال دون النفس يغزى مكانه من حاله على عكس حاله.
وفى التأويلات النجمية وانما قدم انفاق المال فى طلب الحق على بذل النفس لان بذل النفس مع بقاء الصفات الذميمة غير معتبر وهى الحرص على الدنيا والبخل بها قاشار بانفاق المال الى ترك الدنيا وفى الحديث
"تعس عبد الدينار وعبد الدرهم"
. قوله تعس بفتح العين وكسرها عثر او هلك او لزمه الشر وسقط لوجهه او انتكب وهو دعاء عليه اى اتعسه الله وانما دعا عليه السلام على عبد الدينار والدرهم لانه حرص على تحصيل المال من الحرام والحلال وبخل بالانفاق فى سبيل الملك الخلاق فوقف على متاع الدنيا الفانى وترك العمل لنعيم الآخرة الباقى: قال السلطان ولد قدس سره

بكذار جهان راكه جهان آن تونيست وين دم كه همى زنى بفرمان تونيست
كرمال جهان جمع كنى شاد مشو ورتكيه بجان كنى جان كنى جان آن تو نيست

{ فى سبيل الله } هذا اللفظ عام يقع على كل عمل خالص لله تعالى سلك به طريق التقرب الى الله تعالى باداء الفرائض والنوافل وانواع الطاعات واذا اطلق فهم فى الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه كما فى شرح الترغيب.
يقول الفقير فمعنى فى سبيل الله اى فى الطريق الموصل الى الجنة والقربة والرضى وهو ان لا يكون بهوى وغرض وان كان حصول الجنة كما فى المفاتيح -حكى- انه كتب واحد الى يوسف بن اسباط وهو من متقدمى الصوفية ان نفسى تنازعنى الى الغزو فما تقول فيه فكتب فى الجواب لان ترد نفسك عن هواها خير من ان تقتل او تقتل فى المعركة -وحكى- انه لما دنا قتيبة بن مسلم من بلدة بخارى ليفتحها فانتهى الى جيحون اخذ الكفار السفن حتى لا يعبر جيش المسلمين عليها فقال قتيبة اللهم ان كنت تعلم انى ما خرجت الا للجهاد فى سبيلك ولاعزاز دينك ولوجهك فلا تغرقنى فى هذا البحر وان خرجت لغير هذا فاغرقنى فى هذا البحر ثم ارسل دابته فى جيحون فعبره مع اصحابه باذن الله -روى- ان بعضهم رأى ابليس فى صورة شخص يعرفه وهو ناحل الجسم مصفر اللون باكى العين محقوقف الظهر فقال له ما الذى انحل جسمك قال صهيل الخيل فى سبيل الله ولو كان فى سبيلى لكان احب الىّ فقال له ما الذى غير لونك فقال تعاون الجماعة على الطاعة ولو تعاونوا على المعصية لكان احب الىّ قال فما الذى ابكى عينك قال خروج الحاج اليه لا بتجارة اقول قد قصدوه او خاف ان لا يخيبهم فيحزننى ذلك وفى الصحيحين
"عن ابى سعيد يرفعه قيل يا رسول الله اى الناس افضل فقال رسول الله مؤمن مجاهد بنفسه وماله قالوا ثم من قال مؤمن فى شعب من الشعاب يتقى الله ويدع الناس من شره" .
{ ذلكم } اى ما ذكر من النفير والجهاد { خير لكم } من القعود وترك الامداد.
فان قيل ما معنى كون الجهاد خيرا من تركه والحال انه لا خير فى تركه.
اجيب بان معناه ان ما يستفاد من الجهاد من ثواب الآخرة خير مما يستفيده القاعد عنه من الراحة وسعة العيش والتنعم بهما كما قال فى البحر الخيرية فى الدنيا بغلبة العدو ووراثة الارض وفى الآخرة بالثواب ورضوان الله تعالى.
قال سعد جلبى وفى الترك خير دنيوى فيه الراحة { ان كنتم تعلمون } الخير علمتم انه خير لان فيه استجلاب خير الدنيا وخير الآخرة وفى خلافه مفاسد ظاهرة.
وفى بحر الحقائق ترك الدنيا وبذل النفس خير لكم فى طلب الحق من المال والنفس { ان كنتم تعلمون } قدر طلب الحق وعزة السير اليه فان الحاصل من المال والنفس الوزر والوبال والحاصل من الطلب الوصول والوصال انتهى.
قال فى زبدة التفاسير عن انس رضى الله عنه ان ابا طلحة رضى الله عنه قرأ سورة براءة فاتى على هذه الآية { إنفروا خفافا وثقالا } فقال اى بنى جهزونى فقال بنوه رحمك الله فقد غزوت مع مع النبى عليه السلام حتى مات ومع ابى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى ماتا فنحن نغزو عنك فقال لاجهزونى فغزا بحرا فمات فى البحر فلم يجدوا لهم جزيرة يدفنونه فيها الا بعد سبعة ايام فدفنوه فيها ولم يتغير.
يقول الفقير وذلك لان اجساد الانبياء والاولياء والشهداء لا تبلى ولا تتغير لما ان الله تعالى قد نقى ابدانهم من العفونة الموجبة للتفسخ وبركة الروح المقدس الى البدن كالاكسير ثم ان الناس صنفان ارباب رخصة واصحاب عزيمة ولله در أصحاب العزيمة فى مسابقتهم ومسارعتهم فعليك بطريقتهم وسيرتهم.
وهذه الآية الكريمة متعلقة بمرتبة النفس واصلاحها فان النفس مجبولة على حب المال وفى بذله تزكيتها عن هذه الرذيلة فمن علم ان الغنى والفقر من الله تعالى وآمن بالقدر ايمانا عيانيا هان عليه البذل ولم يبق عنده مقدار للمال كما ان من علم ان الموت بالاجل وان المرء لا يموت قبل حلول ذلك الاجل لا يفر من محاربة العدو وحفظ المال وامساكه انما يحسن لاجل الانفاق وقت الحاجة والا فكنزه مذموم [كويند كه نافع مولاى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كه استاد امام شافعى بوددروقت مردن كفت اين جايكه را بكنيد بكندند بيست هزار درم درسبويى بديد آمد كفت آنكاه كه ازجنازه من باز آمده باشيد بدرويش دهيد اورا كفتند يا شيخ جون تو كسى درم نهد كفت بحق اين وقت تنك كه زكاة وى بركردن من نيست وهركز عيالان خودرا بسختى نداشتم لكن هركاه كه مرا آرزويى بودمى آنجه بدان آرزو بايستى دادن درسبو افكندمى تا اكرمرا سختى بيش آيد بدر سفله نبايد رفتن] كذا فى شرح الشهاب.
وفى هذه الحكاية امور. الاول ان من كان اماما للناس ومقتدى فى الدين لا ينبغى له ان يدخر ويكنز المال طمعا وحرصا لان الناس على دين ملوكهم وقد قيل [شيخ جون مائل بمال آيد مريداو مباش مائل دينار هركز مالك ديدار نيست]. والثانى ان من غلبت عليه شهوته فمنع طبيعته عن مقتضاها بامساك ماله عن الصرف لها رجاء بذله لخير منه فقد جاهد مع نفسه وطبيعته اما مع نفسه فلانه ما كتم المال لاجل الكنز بل لاجل البذل لانفع شيء فى وقت مّا. واما مع طبيعته فلانه منعها من مقفتضاها وراضها ومثل هذا هو الجهاد الاكبر. والثالث ان عرض الاحتياج على اللئيم ملوم مذموم شرعا وطريقة ولذا من جاع واحتاج فكتمه عن الناس واقبل الى الله تعالى كان على الله ان يفتح له رزق سنة والشكاية من الحبيب الى الحبيب عين التوحيد والى غيره شرك تعلق به الوعيد.
فعلى العاقل ان يختار طريق اصحاب الصفة فانهم كانوا مع الحق وفى معاونته دائما ببذل اموالهم ان منحوا وانفسهم ان منعوا لان ما لا يدرك كله لا يترك كله فكل مأمور بمقدار طاقته وليست الطاعة الا بقدر الطاقة هذا واللائح بالبال والله اعلم بحقيقه الحال نسأل الله سبحانه ان يوفقنا لبذل المجهود وترك ملاحظة المفقود ويوصلنا الى جنابه انه هو المروم والمقصود