التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
٧٨
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ ألم يعلموا } اى من عاهدوا الله والاستفهام للتقرير اى قد علموا { ان الله يعلم سرهم } اى ما اسروه فى انفسهم من العزم على الاخلاف ولم يتكلموا به سرا ولا جهرا { ونجواهم } وما يتناجون به فيما بينهم من تسمية الزكاة جزية وغير ذلك ممالا خير فيه. والتتاجى [بايكديكر راز كردن] يقال نجاه نجوى وناجاه مناجاة ساره والنجوى السر كالنجى { وان الله علام الغيوب } فلا يخفى عليه شيء من الاشياء فكيف يجترئون على ما هم عليه من النفاق والعزم على الاخلاف

مكن انديشه عصيان جو ميدانى كه ميداند مبين در روى اين وآن جوميدانى كه مى بيند

وفى الآيات اشارات
منها ان من نذر نذرا فيه قربة نحو ان يقول ان رزقنى الله الف درهم فعلى ان تصدق بخمسائة لزمه الوفاء به ومن نذر ما ليس بقربة او بمعصية كقوله نذرت ان ادخل الدار او قال لله ان اقتل فلانا اليوم فحنث يلزمه الكفارة وهى عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فالواجب واحد من هذه الثلاثة والعبد مخير فيه فان عجز عن احد هذه الاشياء الثلاثة صام ثلاثة ايام متتابعات وان علق النذر بشرط يريد وجوده نحو ان يقول ان قدم فلان او ان قدمت من سفرى او ان شفى الله من مريضى او قضى دينى فلله على صيام او صدقة او ان ملكت عبدا او هذا العبد فعلى ان اعتقه يلزمه الوفاء بما نذر لانه نذر بصيغة وليس فيه معنى اليمين وان علقه بشرط لا يريد وجوده كقوله ان كلمت فلانا او دخلت الدار فعلى صوم سنة يجزئه كفارة يمين والمنذور اذا كان له اصل فى الفروض اى واجب من جنسه لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف وما لا اصل له فى الفروض فلا يلزم الناذر كعيادة المريض وتشييع الجنازة ودخول المسجد وبناء القنطرة والرباط والسقاية وقرآة القرآن ونحوها والاصل فيه ان ايجاب العبد معتبر بايجاب الله تعالى تحصيلا للمصلحة المعلقة بالنذر والنذر الغير المعلق لا يختص بزمان ومكان ودرهم وفقير بخلاف المعلق فلو قال الناذر على ان اتصدق فى هذا اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا بدرهم آخر على غيره اجزأه عندنا ولا يجزئه عند زفر.
واعلم ان المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الاقصى لكونها ابنية الانبياء عليهم السلام لها فضيلة تامة ولهذا اقل الفقهاء لو نذر ان يصلى فى احد هذه الثلاثة تعين بخلاف سائر المساجد فان من نذر ان يصلى فى احدهما له ان يصلى فى الآخر.
ومنها ان النفاق عبارة عن الكذب وخلف الوعد والخيانة الى ما ائتمن كما ان الايمان عبارة عن الصدق وملازمة الطاعة لان الله تعالى خلق الصدق فظهر من ظله الايمان وخلق الكذب فظهر من ظله الكفر والنفاق وفى الحديث
"ثلاث من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان" يعنى من يحدث عالما بانه كذب وتعهد عازما على عدم الوفاء وينتظر الامانة للخيانة ولعل هذا يكون فى حق من اعتاد بهذه الخصال لا فى حق من ندرت منه كما هو مذهب البخارى وبعض العلما ومذهب الجمهور على ان هذه الخصال خصال المنافقين وصاحبها شبيه لهم فاطلاق اسم المنافق عليه على سبيل التجوز تغليظا كما ان الله تعالى قال ومن كفر مكان ومن لم يحج لكمال قبحه.
قال صاحب التحفة ليس الغرض ان آية المافق محصورة فى الثلاث بل من ابطن خلاف ما اظهر فهو من المنافقين.
واعلم ان المنافقين صنفان صنف معلنوا الاسلام ومسروه فى بدء الامر وذلك لغلبة صفات النفاق وقوتها فى النفس معلنوا الاسلام ومسروه فى بدء الامر الى ان استعملوا هذه الصفات المستكنة فى النفس فيظهر بالفعل كما كان بالقوة وذلك لضعفها فى النفس فيعقبهم النفاق الى الابد بالشكوك الواقعة فى قلوبهم وهم عن هذا النوع من النفاق غافلون وهم يصومون ويصلون ويزعمون انهم مسلمون.
قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل امة بمنافقيها وجئنا بالحجاج فضلناهم.
يقول الفقير سامحه الله القدير هذا الكلام بالنسبة الى ذلك الوقت ولو انه رأى وزراء آل عثمان ووكلاءهم فى هذا الزمان لوجدهم ارجح من كل منافق لانه بلغ نفاقهم الى حيث اخذوا الرشوة من الكفار ليسامحوهم فى مقاتلتهم ومحاربتهم خذلهم الله دمرهم.
ومنها ذم البخل والحرص على الدنيا وفى الحديث
"ثلاثة لا يحبهم الله ورسوله وهم فى لعنة الله والملائكة والناس اجمعين البخيل والمتكبر والاكول"
. وفى الحديث "ويل للاغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التى فرضت لنا عليهم فيقول الله تعالى بعزتى وجلالى لأبعدنهم ولأقربنكم"
. قال الحافظ

كنج قارون كه فروميرود از قهر هنوز خوانده باشى كه هم ازغيرت درويشانست

وفى الحديث "ما جبل ولى لله الا على السخاء" واجود الاجواد هو الله تعالى ألا ترى انه كيف خلع خلعة الوجود على عامة الكائنات مجانا وانعم عليهم انواع النعم الظاهرة والباطنة اى حيث منع الخلق عن المهالك كالشهوات لا بخلا بل شوقا الى اللذات الباقية