التفاسير

< >
عرض

فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
٨١
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ فرح المخلفون } المخلف ما يتركه الانسان خلفه والمتخلف الذىىتأخر بنفسه والمراد المنافقون الذين خلفهم النبى عليه السلام بالمدينة حين الخروج الى غزوة تبوك بالاذن لهم فى القعود عند استئذانهم { بمقعدهم } مصدر ميمى بمعنى القعود متعلق بفرح اى بقعودهم وتخلفهم عن الغزو { خلاف رسول الله } ظرف للمصدر اى خلفه وبعد خروجه حيث خرج ولم يخرجوا فالخلاف بمعنى خلف كما فى قوله تعالى { { وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلا } [الاسراء: 76] يقال اقام زيد خلاف القوم اى تخلف عنهم بعد ذهابهم ظعن أو لم يظعن ويجوز ان يكون بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة اى فرحوا لاجل مخالفتهم اياه عليه السلام بان مضى هو للجهاد وتخلفوا عنه { وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله } ايثارا للدعة والخفض اى الراحة وسعة العيش على طاعة الله مع ما فى قلوبهم من الكفر والنفاق. وفى ذكر الكراهة بعد الفرح الدال عليها تعريض بالمؤمنين الذين بذلوا اموالهم وانفسهم فى سبيل الله وآثروا تحصيل رضاه تعالى وفى قوله كرهوا مقابلة معنوية مع فرح لان الفرح من ثمرات المحبة { وقالوا } اى قال بعضهم لبعض تثبيتا لهم على التخلف والقعود وتواصيا فيما بينهم بالشر والفساد او قالوا للمؤمنين تثبيطا لهم عن الجهاد ونهيا لهم عن المعروف فقد جمعوا ثلاث خصال من خصال الكفر والضلال الفرح بالقعود وكراهة الجهاد ونهى الغير عن ذلك { لا تنفروا } اى لا تخرجوا { فى الحر } فانه لا تستطاع شدته وكانوا دعوا الى غزوة تبوك فى وقت نضج الرطب وهو اشد ما يكون من الحر وقول عروة بن الزبير ان خروجه عليه السلام لتبوك كان فى زمن الخريف لا ينافى وجود الحر فى ذلك الزمن لان اوائل الخريف وهو الميزان يكون فيه الحر.
وكان ممن تخلف عن مسيره معه صلى الله عليه وسلم ابو خيثمة ولما سار عليه السلام اياما دخل ابو خيثمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين فى عريشتين لهما فى حائط قد رشت كل منهما عريشتها وبردت فيها ماء وهيأت طعاما فلما دخل نظر الى امرأتيه وما صنعتا فقال رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحر وابو خثيمة فى ظل وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا ادخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول الله حتى ادركه: قال الحافظ

ملول از همر هان بودن طريق ماردانى نيست بكش دشوارى منزل بياد عهد آسانى

وقال

مقام عيش ميسر نميشود بى رنج بلى بحكم بلابسته اند حكم الست

وقال

من ازديار حبيبم نه ازديار غريب مهيمنا بعزيزان خودرسان باشم

{ قل } ردا عليهم وتجهيلا { نارُ جهنم أشد حرا } من هذا الحر وقد آثرتموها بهذه المخالفة فما لكم لا تحذرونها { لو كانوا يفقهون } اى يعلمون انها كذلك لما خالفوا وفى الحديث "ان ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من اجزاء نار جهنم"
. وبيانه انه لو جمع حطب الدنيا فاوقد كله حتى صار نارا لكان الجزء الواحد من اجزاء نار جهنم الذى هو من سبعين جزأ اشد من حر نار الدنيا.
وفى الخبر لما اهبط آدم عليه السلام مضى جبرائيل الى مالك واخذ منه جمرة لآدم فلما تناولها احرقت كفة فقال ما هذه يا جبرائيل قال جمرة من جهنم غسلتها سبعين مرة ثم آتيتها اليك فالق عليها الحطب واخبز وكل ثم بكى آدم وقال كيف
"تقوى اولادى على حرها فقال له جبرائيل ليس لها على اولادك المطيعين من سبيل كما ورد فى الحديث تقول جهنم للمؤمن جز يا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى"
.ومن كان مع الله لا يحرقه شئ ألا ترى الى حال النبى عليه السلام ليلة المعراج كيف تجاوز عن كرة الاثير ولم يحترق منه شعر وكانت النار بردا وسلاما على ابراهيم عليه السلام