التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٩٠
لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩١
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وجاء المعذورون من الأعراب ليؤذن لهم } من عذر فى الامر اذا قصر فيه وتوانى ولم يجدوا حقيقته ان يوهم ان له عذرا فيما يفعل ولا عذر له. فالمعذر اسم فاعل من باب التفعيل او من اعتذر اذا مهد العذر بادغام التاء فى الذال ونقل حركتها الى العين فيكون اسم فاعل من باب الافتعال والاعتذار قد يكون بالكذب وقد يكون بالصدق وذلك لان الاعتذار عبارة عن الاتيان بما هو فى صورة العذر سواء كان للمعتذر عذر حقيقة او لم يكن. والاعراب سكان البوادى من العرب لا واحد له والعرب خلاف العجم وهم سكان الامصار او عام والعربة ناحية قرب المدينة واقامت قريش بعربة فنسبت العرب اليها وهى باحة العرب وباحة دار ابى الفصاحة اسماعيل عليه السلام كما فى القاموس. والمراد بالمعذرين اسد واغطفان واستأذنوا فى التخلف حين الخروج الى غزوة تبوك معتذرين بالجهد اى ضيق العيش وكثرة العيال او رهط عامر بن الطفيل قالوا ان غزونا معك اغارت اعراب طى على اهالينا ومواشينا فقال عليه السلام "سيغنينى الله عنكم"
.واختلفوا فى انهم كانوا معتذرين بالتصنع او بالصحة والظاهر الثانى ويدل عليه كلام القاموس حيث قال قوله تعالى { وجاء المعذرون } بتشديد الذال المكسورة هم المعتذرون الذين لهم عذر وقد يكون المعذر غير محق فالمعنى المقصرون بغير عذر انتهى.
اقول وعلى كل حال لا يثبت النفاق اذ المقصر وهو المعتذر للفتور والكسل لا يكون كافرا وان كان مذموما وقد اضطرب كلام المفسرين هناك فعليك بضبط المبنى واخذ المعنى { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } وهم منافقوا الاعراب الذين لم يجيبوا ولم يعتذروا ولم يستأذنوا فى القعود فظهر انهم كذبوا الله ورسوله فى ادعاء الايمان والطاعة.
قال فى انسان العيون وجاء المعذرون وهم الضعفاء والمقلون من الاعراب ليؤذن لهم فى التخلف فاذن لهم وكانوا اثنين وثمانين رجلا وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر واظهار علة وجراءة على الله ورسوله وقد عناهم الله بقوله { وقعد الذين كذبوا الله ورسوله } انتهى.
{ سيصيب الذين كفروا منهم } اى من الاعراب او من المعذرين وعلى كل تقدير فمن تبعيضية لا بيانية اذ ليس كلهم كفرة وقد علم الله تعالى ان بعض الاعراب سيؤمن وان بعض المعذرين لكسله لا لكفره { عذاب اليم } بالقتل والاسر فى الدنيا والنار فى الآخرة.
قال فى التأويلات النجمية الخلق ثلاث طبقات. الاولى المعذرون وهم المقصرون المعترفون بتقصيرهم وذنوبهم التائبون عن ذنوبهم المتداركون بالرحمة والمغفرة. والثانية القاعدون وهم الكاذبون الكذابون الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله من الكافرين والمنافقين المتداركون بالخذلان والعذاب الاليم كما قال { وقعد الذين } الآية. والثالثة المؤمنون المخلصون الصادقون الناصحون ولكن فيهم اهل العذر واليه الاشارة بقوله تعالى { ليس على الضعفاء بنيست برناتوانان وعاجزان] كالهرمى والزمنى جمع هرم بكسر الراء وهو كبير السن وجمع زمن وهو المقعد { ولا على المرضى } [ونه بربيماران ومعلول] جمع مريض { ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون } لفقرهم كمزينة وجهينة وبنى عذرة { حرج } اثم فى التخلف والتأخر عن الغزو ثم انه تعالى شرط فى انتفاء الحرج عنهم شرطا معينا فقال { إذا نصحوا لله ورسوله } قال ابو البقاء العامل فيه معنى الكلام اى لا يخرجون حينئذ. والنصح اخلاص العمل من الغش يقال نصح الشيء اذا خلص ونصح له فى القول اذا كلمه بما هو خير محض له والناصح الخالص وفى الحديث
"الدين النصيحة الدين النصيحة"
. ذكرها ثلاث مرات قيل هذا الكلام مدار الاسلام لان النصيحة هى ارادة الخير معناه عماد الدين النصيحة كما يقال الحج عرفة اى عماده "قالوا لمن يا رسول الله قال لله"
. معنى نصيحته تعالى الايمان به واخلاص العمل فيما امر به "ولرسوله"
. نصيحته تصديقه بكل ما علم مجيئهه به واحياء طريقه "ولكتابه" .
نصيحته الاعتقاد بانه كلام الله والعمل بمحكمه. والتسليم لمتشابهه وفى الحقيقة هذه النصائح راجعة الى العبد "ولائمة المسلمين" .
نصيحتهم اطاعتهم فى المعروف وتنبيههم عند الغفلة "وعامتهم" نصيحة عامة المسلمين دفع المضار عنهم وجلب المنافع اليهم بقدر الوسع كذا فى شرح المشارق لابن ملك. فمعنى الآية ان المتخلفين من اصحاب الاعذار لا اثم عليهم فى تخلفهم اذا اخلصوا الايمان لله ولرسوله وامتثلوا امرهما فى جميع الامور ومعظمها ان لا يفشوا ما سمعوه من الاراجيف فى حق الغزاة وان لا يثيروا الفتن وان يسعوا فى ايصال الخير الى المجاهدين ويقوموا باصلاح مهمات بيوتهم ويسعوا فى ايصال الاخبار السارة من بيوتهم اليهم { ما على المحسنين من سبيل } استئناف مقرر لمضمون ما سبق اى ليس عليهم جناح ولا الى معاتبتهم سبيل ومن زائدة لعموم النفى ووضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على انتظامهم بنصحهم لله ورسوله فى سلك المحسنين وقد اشتهر ان تعليق الحكم على الوصف المناسب يشعر بعلية الوصف له { والله غفور رحيم } يشير الى ان بهم حاجة الى المغفرة وان كان تخلفهم بعذر فان الانسان محل التقصير والعجز فلا يسعه الا العفو: وفى المثنوى

شمس هم معده زمين را كرم كرد تا زمين باقى حدثهارى بخورد
جزؤخاكى كشت ورست ازوى نبات هكذا يمحو الاله السيآت
اى كه من زشت وخصالم نيز زشت جون شوم كل جون مرا اوخار كشت
نوبهارا حسن كل ده خاررا زينت طاوس ده آن ماررا