التفاسير

< >
عرض

فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
٨
-الشمس

روح البيان في تفسير القرآن

{ فالهمها فجورها وتقواها } الفاء ان كانت لسببية التسوية فالامر ظاهر وان كانت لتعقيبها فلعل المراد منها اتمام ما يتوقف عليها الالهام من القوى الظاهرة والباطنة والالهام القاء الشئ فى الروع اما من جهة الله او من جهة الملاء الاعلى واصل الهام الشئ ابتلاعه والفجور شق ستر الديانة قدم على التقوى لمراعاة الفواصل او لشدة الاهتمام بنفيه لانه اذا انتفى الفجور وجدت التقوى فقدم ما هم بشأنه اعنى والمعنى افهم النفس اياها وعرفها حالهما من الحسن والقبح وما يؤدى اليه كل منهما ومكنها من اختيار ايهما شاءت قال بعض الكبار الالهام لا يكون الا فى الخير فلا يقال فى الشر الهمنى الله كذا واما قوله تعالى فالهمها فجورها وتقواها فالمراد فجورها لتجتنبه لا لتعمل به وتقواها لتعمل به اذ ليس فى كلام الله تناقض ابدا وقال بعضهم لا يخفى ان محل الالهام هو النفس قال تعالى فالهمها فجورها وتقواها فاعلمنا ان الفاعل فى الالهام هويته تعالى لا غيره لكن الهم النفس فجورها لتعلمه به وتقواها لتعلمه وتعمل به فهو فى قسم الفجور الهام اعلام لا الهام عمل ان الله لا يأمر بالفحشاء وكما لا يأمر بالفحشاء لا يلهم بها فانه لوالهم بها ما قامت الحجة لله على العبد فهذه الآية مثل قوله { وهديناه النجدين } اى بينا له الطريقين وقال بعضهم لم ينسب سبحانه الى النفس خاطر المباح ولا الهامه فيها وسبب ذلك ان المباح لها ذاتى فبنفس ما خلق عينها ظهر المباح فهو من صفاتها النفسية التى لا تعقل النفس الا بها فخاطر المباح نعت خاص كالضحك للانسان وفى التأويلات النجمية تدل الآية على كون النفوس كلها حقيقة واحدة متحدة تختلف باختلاف توارد الاحوال والاسماء فان حقيقة النفس المطلقة من غير اعتبار حكم معها اذا توجهت الى الله توجها كليا سميت مطمئنة واذا توجهت الى الطبيعة توجها كليا سميت امارة واذا توجهت تارة الى الحق بالتقوى وتارة اخرى الى الطبيعة البشرية بالفجور سميت لوامة انتهى وفى الخبر الصحيح عن عمران بن حصين رضى الله عنه سأل رجل من جهينة او مزينة رسول الله عليه السلام ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشئ قضى عليهم ام شئ يستقبلونه فقال عليه السلام "بل قضى عليهم" قال ففيم العمل اذا يا رسول الله فقال عليه السلام "من كان خلقه الله لاحدى المنزلتين يهيئه الله لها" ثم تلا الآية وقال ابن عباس رضى الله عنهما كان رسول الله عليه السلام يقول عند الآية "اللهم آت نفسى تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها"