التفاسير

< >
عرض

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا
٩
-الشمس

روح البيان في تفسير القرآن

{ قد افلح من زكاها } جواب القسم وحذف اللام لطول الكلام وقال الزجاج طول الكلام صار عوضا عن اللام وانما تركه الكشاف وغيره لانه يوجب الحذف والحذف لا يجب مع الطول ولم يجعل كذبت جوابها لان اقسام الله انما يؤكد به الوعد او الظفر وادراك البغية وهو دنيوى كالظفر بالسعادات التى تطيب بها الحياة الدنيا من الغنى والعز والبقاء مع الصحة ونحوها واخروى وهو بقاء فلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ولذلك قيل لا عيش الا عيش الآخرة واصل الزكاة الزيادة والنمو ومنه زكا الزرع اذا حصل فيه نمو كثير وبركة ومنه تزكية القاضى الشاهد لانه يرفع قدره بالتعديل ومنه الزكاة لما يخرج الانسان من حق الله الى الفقرآء لما فيها من رجاء البركة او لتزكية النفس اى تنميتها بالخيرات والبركات اولهما جميعا فان الخيرين موجدان فيها والمعنى قد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من انمى النفس واعلاها بالتقوى اى رفعها واظهرها وشهرها بها فاهل الصلاح يظهرون انفسهم ويشهرونها بما سطع من انوار تقواهم الى الملأ الاعلى وبملازمتهم مواضع الطاعات ومحافل الخيرات بخلاف اهل الفسق فانهم يخفون انفسهم ويدسونها فى المواضع الخفية لا يلوح عليهم سيما سعادة يشتهرون به بين عباد الله المقربين واصل هذا ان اجواد العرب كانوا ينزلون فى ارفع المواضع ويوقدون النار للطارقين لتكون اشهر واللئام ينزلون الاطراف والهضاب لتخفى اماكنهم عن الطالبين فاخفوا انفسهم فالبار ايضا اظهر نفسه باعمال البر والفاجر دسها وتستعمل التزكية بمعنى التطهير ايضا كما قال فى القاموس الزكاة صفة الشئ وما اخرجته من مالك لتطهره به فالمعنى قد افلح من طهر نفسه من المخالفات الشريعة عقدا وخلقا وعملا وقولا فقد اقسم تعالى بسبعة اشياء على فلاح من زكى نفسه ترغيبا فى تزكيتها.
وابن عباس رضى الله عنهما روايت كرده كه حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم نزديك تلاوت اين آيت فرمودى كه تزكيه انفس موجب تزكيه دل است هركاه كه نفس ازشوب هوا مزكى شود فى الحال دل ارلوث تعلق بما سوى مصفى كردد

تانفس مبراز مناهى لشود دل آيينه نور الهى نشود

وكون افعال العبد بتقدير الله تعالى وخلقه لا ينافى اسناد الفعل الى العبد فانه يقال ضرب زيد ولا يقال ضرب الله مع أن الضرب بخلقه وتقديره وذلك لأن وضع الفعل بالنسبة الى الكاسب قال الراغب وبزكاء النفس وطهارتها يصير الانسان بحيث يستحق فى الدنيا الاوصاف المحمودةوفىالآخرة الاجر والمثوبة وهو أن يتحرى الانسان ما فيه تطهيره وذلك ينسب تارة الى العبد لاكتسابه ذلك بجر قد افلح من زكاها وتارة الى الله لكونه فاعلا لذلك فى الحقيقة نحو بل الله يزكى من يشاء وتارة الى الشئ لكونه واسطة فى وصول ذلك اليهم نحو خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وتارة الى العبادة التى هى آلة فى ذلك نحو وحنانا من لدنا وزكاء انتهى.