التفاسير

< >
عرض

مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ
٣
-الضحى

روح البيان في تفسير القرآن

{ ما ودعك ربك } جواب القسم والتوديع مبالغة فى الوداع وهو الترك لان من ودعك مفارقا فقد بالغ فى تركك والوداع هو الاعلام بالفراق وقال الراغب اصل التوديع من الدعة وهو أن يدعو للمسافر بأن يتحمل الله عنه كآبة السفر وان يبلغه الدعة والخفض كما ان التسليم دعاء له بالسلامة فصار ذلك متعارفا فى تشييع المسافر وتركه وعبر به عن الترك فى الآية والمعنى ما قطعك قطع المودع وما تركك بالحط عن درجة الوحى والقرب والكرامة ففيه استعارة تبعية واشارة الى ان الرب لا يترك المربوب { وما قلى } اى وما ابغضك والابغاض دشمن داشتن. والقلى شدة البغض يقال قلا زيدا يقلوه ابغضه من القلو وهو الرمى كما يقال قلت الناقة براكبها رمت به فكان المقلو هو الذى يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله وقلاه وقليه يقليه ويقلاه ابغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه او قلاه فى الهجر وقليه فى البغض كما فى القاموس فمن جعله من اليائى فمن قليت البسر والسويق على المقلى كما فى المفردات ولعل عطف وما قلى من عطف السبب على المسبب لافادة التعليل وحذفت الكاف من قلاك لدلالة الكلام عليه ولمراعاة الفواصل (روى) ان الوحى تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر يوما لتركه الاستثناء وذلك ان مشركى قريش ارسلوا الى يهود المدينة وسألوهم عن امر محمد عليه السلام فقالت لهم اليهود سلوه عن اصحاب الكهف وعن قصة ذى القرنين وعن الروح فان اخبركم عن قصة أهل الكهف وقصة ذى القرنين ولم يخبركم عن امر الروح فاعلموا انه صادق فجاءه المشركون وسألوه عنها فقال عليه السلام لهم "ارجعوا سأخبركم غدا" ولم يقل ان شاء الله فاحتبس الوحى عنه اياما فقال المشركون ان محمدا ودعه ربه وقلاه اى ان جبريل ابطأ فشكا عليه السلام ذلك الى خديجة فقالت خديجة لعل ربك قد قلاك فنزل جبريل بقوله تعالى ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله فاخبره بما سئل عنه وقد سبق فى سورة الكهف ونزل ايضا بقوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى ردا على المشركين وتبشيرا له عليه السلام بأن الحبيب لا يقلى الحبيب وانه تعالى يواصله بالوحى والكرامة فى الدنيا مع ان ما سيؤتيه فى الآخرة اجل واعظم من ذلك كما تنبئ عنه الآية الآتية (وروى) ان جروا دخل البيت فدخل تحت السرير فمات فمكث نبى الله اياما لا ينزل عليه الوحى فقال لخادمته "خوله يا خوله ما حدث فى بيتى ان جبريل لا يأتينى" قالت خولة فكنست البيت فأهويت بالمكنسة تحت السرير فاذا جرو ميت فأخذته فالقيته خلف الجدار فجاء نبى الله ترتعد لحياه وكان اذا نزل عليه الوحى استقبلته الرعدة فقال "يا خولة دثرينى" فانزل الله هذه السورة فلما نزل جبريل سأله النبى عليه السلام عن سبب تأخيره فقال اما علمت انا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة وقيل غير ذلك وفيه اشارة الى انه عليه السلام وقع منه ما هو ترك الاولى ولذا لم يكن ممقوتا ولا مبغوضا وانما احتبس عند الوحى للتربية والارشاد وفى التأويلات النجمية ما ودعك ربك بقطع فيض النبوة والرسالة عن ظاهرك وما قلى بقطع فيض الولاية عن باطنك.