التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ
١٥
-العلق

روح البيان في تفسير القرآن

{ كلا } ردع للناهى اللعين وخسوء له عن نهيه عن عبادة الله وامره بعبادة اللات { لئن لم ينته } اللام موطئة للقسم المضمر اى والله لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر ولم يتب ولم يسلم قبل الموت والاصل ينتهى بالياء يقال نهاه ينهاه نهيا ضد امره فانتهى { لنسفعا بالناصية } اصله لنسفعن بالنون الخفيفة للتأكيد ونظيره وليكونا من الصاغرين كتب فى المصحف بالالف على حكم الوفق فانه يوقف على هذا النون بالالف تشبيها لها بالتنوين والسفع القبض على الشئ وجذبه بعنف وشدة والناصية شعر مقدم الرأس والمعنى لنأخذن فى الآخرة بناصيته ولنسحبنه بها الى النار بمعنى لنأمرن الزبانية ليأخذوا بناصيته ويجروه الى النار بالتحقير والاهانة وكانت العرب تأنف من جر الناصية وفى عين المعانى الاخذ بالناصية عبارة عن القهر والهوان والاكتفاء بلام العهد عن الاضافة لظهور أن المراد ناصية الناهى المذكور ويحتمل ان يكون المراد من هذا السفع سحبه على وجهه فى الدنيا يوم بدر فيكون بشارة بان يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجروه على وجهه اذا عاد الى النهى فلما عاد مكنهم الله من ناصيته يوم بدر (روى) أنه لما نزلت سورة الرحمن قال عليه السلام "من يقرأها على رؤساء قريش" فتثاقلوا فقام ابن مسعود رضى الله عنه وقال انا فأجلسه عليه السلام ثم قال ثانيا من يقرأها عليهم فلم يقم الا ابن مسعود رضى الله عنه ثم ثالثا الى ان أذن له وكان عليه السلام يبقى عليه لما كان يعلم ضعفه وصغر جثته ثم انه وصل اليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة فافتتح قرآءة السورة فقام ابو جهل فلطمه فشق اذنه وادماها فانصرف وعينه تدمع فلما رآه عليه السلام رق قلبه واطرق رأسه مغموما فاذا جبرآئيل جاء ضاحكا مستبشرا فقال ياجبرائيل تضحك ويبكى ابن مسعود فقال سيعلم فلما ظفر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود ان يكون له حظ فى الجهاد فقال له عليه السلام "خذ رمحك والتمس فى الجرحى من كان له رمق فاقتله فانك تنال ثواب المجاهدين " فاخذ يطالع القتلى فاذا ابو جهل مصروع يخور فخاف ان تكون به قوة فيؤذيه فوضع الرمح على منحره من بعيد فطعنه ولعل هذا قوله سنسمه على الخرطوم ثم لما عرف عجزه لم يقدر ان يصعد على صدره لضعفه فارتقى عليه بحيلة فلما رآه ابو جهل قال له يا رويعى الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا فقال ابن مسعود الاسلام يعلو ولا يعلى عليه فقال له ابو جهل بلغ صاحبك انه لم يكن احد ابغض الى منه فى حال مماتى فروى أنه عليه السلام لما سمع ذلك قال "فرعونى اشد من فرعون موسى فانه قال آمنت وهو قد زاد عنوا ثم قال يا ابن مسعود اقطع بسيفى هذا لأنه أحد" وأقطع فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله فشق اذنه وجعل الخيط فيها وجعل يجره الى رسول الله عليه السلام وجبرآئيل بين يديه يضحك ويقول يا محمد اذن باذن لكن الرأس ههنا مع الاذن مقطوع ولعل الحكيم سبحانه انما خلقه ضعيفا حتى لم يقو على الرأس المقطوع لوجوه احدها أن ابا جهل كلب والكلب يجر ولا يحمل والثانى ليشق الاذن فيقتص الاذن بالاذن والثالث ليحقق الوعيد المذكور بقوله لنسفعا بالناصية فيجر تلك الرأس على مقدمها قال ابن الشيخ والناصية شعر الجبهة وقد يسمى مكان الشعر ناصية ثم انه تعالى كنى بها ههنا عن الوجه والرأس ولعل السبب فى تخصيص السفع بها ان اللعين كان شديد الاهتمام بترجيل الناصية وتطييبها.