التفاسير

< >
عرض

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ
١
-القدر

روح البيان في تفسير القرآن

{ انا انزلناه فى ليلة القدر } النون للعظمة او للدلالة على الذات مع الصفات والاسماء والضمير للقرءآن لأن شهرته تقوم مقام تصريحه باسمه وارجاع الضمير اليه فكأنه حاضر فى جميع الاذهان وعظمه بأن اسند انزاله الى جنابه مع أن نزوله انما يكون بواسطة الملك وهو جبرآئيل على طريقة القصر بتقديم الفاعل المعنوى الا انه اكتفى بذكر الاصل بمعنى نحن انزلناه فادخل ان للتحقيق فاختير اتصال الضمير للتخفيف ومعنى صيغة الماضى انا حكمنا بانزاله فى ليلة القدر وقضينا به وقدرناه فى الازل ثم ان الانزال يستعمل فى الدفعى والقرءآن لم ينزل جملة واحدة بل انزل منجما مفرقا فى ثلاث وعشرين سنة وهذه السورة من جملة ما انزل وجوابه أن المراد أن جبرآئيل نزل به جملة واحده فى ليلة القدر من اللوح المحفوظ الى بيت العزة فى السماء الدنيا واملاه على السفرة اى الملائكة الكاتبين فى تلك السماء ثم كان ينزل على النبى عليه السلام منجما على حسب المصالح وكان ابتدآء تنزيله ايضا فى تلك الليلة وفيه اشارة الى أن بيت العزة اشرف المقامات السماوية بعد اللوح المحفوظ لنزول القرءآن منه اليه ولذلك قيل بفضل السماء الاولى على اخواتها لانها مقر الوحى الربانى وقيل لشرف المكان بالمكين وكل منهما وجه فان السلطان انما ينزل على انزه مكان ولو فرضنا نزوله على مسبخة لكفى نزوله هناك شرفا لها فالمكان الشريف يزداد شرفا بالمكين الشريف كما سبق فى سورة البلد ففى نزول القرءآن بالتدريج اشارة الى تعظيم الجناب المحمدى كما تدخل الهدايا شيأ بعد شئ على ايدى الخدام تعظيما للمهدى اليه بعد التسوية بيه وبين موسى عليهما السلام بانزاله جملة الى بيت العزة وفى التدريج ايضا تسهيل للحفظ وتثبيت لفؤاده كما قال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك وكلام الله المنزل قسمان القرءآن والخبر القدسى لأن جبرآئيل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرءآن ومن هنا جاز رواية السنة بالمعنى لان جبرآئيل اداها بالمعنى ولم تجز القرءآن بالمعنى لأن جبرآئيل اداها باللفظ والسر فى ذلك التعبد بلفظه والاعجاز به فانه لا يقدر أحد أن يأتى بدله بما يشتمل عليه من الاعجاز لفظا ومن الاسرار معنى فكيف يقوم لفظ الغير ومعناه مقام حرف القرءآن ومعناه ثم ان اللوح المحفوظ قلب هذا التعين ولكن قلب الانسان ألطف منه لأنه زبدته واشرفه لأن القرءآن نزل به الروح الامين على قلب النبى المختار وهنا سؤال وهو أن الملائكة بأسرهم صعقوا ليلة نزول القرءآن من حضرة اللوح المحفوظ الى حضرة بيت العزة فما وجهه والجواب أن محمدا صلى الله عليه وسلم عندهم من أشراط القيامة والقرءآن كتاب فنزوله دل على قيام الساعة فصعقوا هيبة منه واجلالا لكلامه وحضرة وعده ووعيده وفى بعض الاخبار ان الله تعالى اذا تكلم بالرحمة تكلم بالفارسية والمراد بالفارسية لسان غير العرب سريانيا كان او عبرانيا واذا تكلم بالعذاب تكلم بالعربية فلما سمعوا العربية المحمدية ظنوا أنه عقاب فصعقوا وسيأتى معنى القدر ثم القرءآن كلامه القديم انزله فى شهر رمضان كما قال تعالى شهر رمضان الذى انزل فيه القرءآن وهذا هو البيان الاول ولم ندر نهارا انزل فيه ام ليلا فقال تعالى ان انزلناه فى ليلة مباركة وهذا هو البيان الثانى ولم ندراى ليلة هى فقال تعالى { انا انزلناه فى ليلة القدر } فهذا هو البيان الثالث الذى هو غاية البيان فالصحيح أن الليلة التى يفرق فيها كل امر حكيم وينسخ فيها امر السنة وتدبير الاحكام الى مثلها هى ليلة القدر ولتقدير الامور فيها سميت ليلة القدر ويشهد التنزيل لما ذكرنا اذ فى اول الآية انا انزلناه فى ليلة مباركة ثم وصفها فقال فيها يفرق كل امر حكيم والقرءآن انما نزل فى ليلة القدر فكانت هذه الآية بهذا الوصف فى هذه الليلة مواطئة لقوله تعالى انا انزلناه فى ليلة القدر كذا فى قوت القلوب للشيخ ابى طالب المكى قدس سره فان قلت ما الحكمة فى انزال القرآن ليلا قلت لأن اكثر الكرامات ونزول النفحات والاسرآء الى السموات يكون بالليل والليل من الجنة لأنها محل الاستراحة والنهار من النار لأن فيه المعاش والتعب والنهار حظ اللباس والفراق والليل حظ الفراش والوصال وعبادة الليل افضل من عبادة النهار لأن قلب الانسان فيه اجمع والمقصود هو حضور القلب قال بعض العارفين اعمل التوحيد فى النهار والاسم فى الليل حتى تكون جامعا بين الطريقتين الجلوتية بالجيم والخلوتية ويكون التوحيد والاسم جناحين لك.