التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ
٥
-البينة

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما امروا الا ليعبدوا الله } جملة حالية مفيدة لغاية قبح ما فعلوا اى والحال انهم ما امروا بما امروا فى كتابهم لشئ من الامور الا لأجل أن يعدبوا الله وهذه اللام فى الحقيقة لام الحكمة والمصلحة يعنى أن فعله تعالى وان لم يكن معللا بالغرض الا أنه مغيا بالحكم والمصالح وكثيرا ما تستعمل لام الغرض فى الحكمة المرتبة على الفعل تشبيها لها بها فى ترتبها على الفعل بحسب الوجود وفى حصر علة كونهم مأمورين بما فى كتبهم من عبادة الله بالاخلاص حيث قيل وما امروا بما امروا الا لأجل ان يتذللوا له ويعظموه غاية التذلل والتعظيم ولا يطلبوا فى امتثال ما كلفوا به شيأ آخر سوى التذلل لربهم ومالكهم كثواب الجنة والخلاص من النار دليل على ما ذهب اليه اهل السنة من أن العبادة ماوجبت لكونها مفضية الى ثواب الجنة او الى البعد والنجاة من عذاب النار بل لأجل انك عبد وهو رب ولو لم يحصل فى الدين ثواب ولا عقاب البتة ثم امرك بالعبادة وجبت لمحض العبودية ومقتضى الربوبية والمالكية وفيه ايضا اشارة الى أن من عبد الله للثواب والعقاب فالمعبود فى الحقيقة هو الثواب والعقاب والحق واسطة فالمقصود الاصلى من العبادة هو المعبود وكذا الغاية من العرفان المعروف فعليك بالعبادة للمعبود وبالعرفان للمعروف واياك وان تلاحظ شيأ غير الله تعالى

عاشقانرا شادمانى وعم اوست دست مزد واجرت خدمت هم اوست

وقال بعضهم الاظهر أن تجعل لام ليعبدوا الله زآئدة كما تزاد فى صلة الارادة فيقال اردت لتقوم لتنزيل الامر منزلة الارادة فيكون المأمور به هذه الامور من العبادة ونحوها كما هو الظاهر ثم ان العبادة هى التذلل ومنه طريق معبد اى مذلل ومن زعم أنها الطاعة فقد اخطأ لان جماعة عبدوا الملائكة والمسبح والاصنام وما اطاعوهم ولكن فى الشرع صارت اسما لكل طاعة لله اديت له على وجه التذلل والنهاية فى التعظيم والعبادة بهذا المعنى لا يستحقها الا من يكون واحدا فى صفاته الذاتية والفعلية فان كان له مثل لم يمكن ان يصرف اليه نهاية التعظيم فثبت بما قلنا أنه لا بد فى كون الفعل عبادة من شيئين احدهما غاية التعظيم وفى حكمه الجاهل الغافل وثانيهما ان يكون مأمورا به ففعل اليهود ليس بعبادة وان تضمن نهاية التعظيم لأنه غير مأمور به فاذا لم يكن فعل الصبى عبادة لفقد التعظيم ولا فعل اليهود لفقد الامر فكيف يكون ركوعك الناقص عبادة والحال أنه لا امر به ولا تعظيم فيه { مخلصين له الدين } حال من الفاعل فى ليعبدوا اى جاعلين انفسهم خالصة لله تعالى فى الدين يعنى از شرك والحاد باكيزه باشند واز اغراض نفسانيه وقضاى شهوات صافى وبى غش.
والاخلاص ان يأتى بالفعل خالصا لداعية واحدة ولا يكون لغيرها من الدواعى تأثير فى الدعاء الى ذلك الفعل فالعبادة لجلب المنفعة او لدفع المضرة ليست من قبيل الاخلاص وكذا الاشتغال بالمباح فى الصلاة مثل التنحنح وغيره من الحظوظ النفسانية وزيادة الخشوع فى الصلاة لأجل الغير رياء ودفع الزكاة الى الوالدين والمولدين وعبيده وامائه ينافى القربة ولذا نهى عنه فالاخلاص فى العبودية تجرد السر عما سوى الله تعالى وقال بعضهم الاخلاص ان لا يطلع على عملك الا الله ولا ترى نفسك فيه وتعلم أن المنة لله عليك فى ذلك حيث اهلك لعبادته ووفقك لها ولا تطلب من الله اجرا وعوضا { حنفاء } حال اخرى على قول من جوز حالين من ذى حال واحد ومن المنوى فى مخلصين على قول من لم يجوز ذلك اى مائلين عن جميع العقائد الزآئغة الى الاسلام وهو فى المعنى تأكيد للاخلاص اذ هو الميل عن الاعتقاد الفاسد واكبره اعتقاد الشركة واصل الحنف الميل وانقلاب ظهر القدم حتى يصير بطنا فالاحنف هو الذى يمشى على ظهر قدميه فى شقها الذى يلى خنصرها ويجيئ الحنف بمعنى الاستقامة فمعنى حنفاء مستقيمين فعلى هذا انما سمى مائل القدم احنف على سبيل التفاؤل كقولك للاعمى بصيرو للحبشى كافور وللطاعون مبارك وللمهلكة مفازة قال ابن جبير لا يسمى احد حنيفا حتى يحج ويختن لأن الله وصف ابراهيم عليه السلام بكونه حنيفا وكان من شأنه انه حج وختن نفسه { ويقيموا الصلاة } التى هى العمدة فى باب العبادات البدنية { ويؤتوا الزكاة } التى هى الاساس فى العبادات المالية قال فى الارشاد ان اريد بها ما فى شريعتهم من الصلاة والزكاة فالامر ظاهر وان اريد ما فى شريعتنا فمعنى امرهم بهما فىالكتابين ان امرهم باتباع شريعتنا امر لهم بجميع احكامها التى هما من جملتها { وذلك } اى ما ذكر من عبادة الله بالاخلاص واقامة الصلاة وايتاء الزكاة { دين القيمة } اى دين الملة القيمة قدر الموصوف لئلا يلزم اضافة الشئ الى صفته فانها اضافة الشئ الى صفته وصحة اضافة الدين الى الملة باعتبار التغاير الاعتبارى بينهما فان الشريعة المبلغة الى الامة بتبليغ الرسول اياها من قبل الله تسمى ملة باعتبار أنها تكتب وتملى ودينا باعتبار أنها تطاع فان الدين الطاعة يقال دان له اى اطاعه وقال بعضهم اضافة الدين الى القيمة اضافة العام الى الخاص كشجر الاراك ولا حاجة الى تقدير الملة فان القيمة عبارة عن الملة كما يشهد له قرآءة ابى رضى الله عنه وذلك الدين القيم انتهى (وقال الكاشفى) دين القيمة يعنى دين وملت درست است وبابنده.
يعنى اضافة الدين الى القيمة وهى نعته لاختلاف اللفظين والعرب تضيف الشئ الى نعته كثيرا ونجد هذا فى القرآن فى مواضع منها قوله ولدار الآخرة وقال فى موضع وللدار الآخرة لأن الدار هى الآخرة وقال عذاب الحريق اى المحرق كالاليم بمعنى المؤلم وتقول دخلت مسجدا لجامع ومسجد الحرام وادخلك الله جنة الفردوس هذا وامثاله وانث القيمة لأن الآيات هائية فرد الدين الى الملة كما فى كشف الاسرار والقيمة بمعنى المستقيمة التى لا عوج فيها وقال الراغب القيمة هنا اسم الامة القائمة بالقسط المشار اليهم بقوله كنتم خيرا امة قال ابن الشيخ بعض اهل الاديان لما بلغوا فى باب الاعمال من غير احكام الاصول وهم اليهود والنصارى والمجوس فانهم ربما اتعبوا انفسهم فى الطاعات ولكنهم ما حلصوا الدين الحق بتحصيل الاعتقاد بالمطابق وبعضهم حصلوا الاصول واهملوا الفروع وهم المرجئة الذين يقولون لا تضر المعصية مع الايمان فالله تعالى خطأ الفريقين فى هذه الآية وبين أنه لا بد من العلم والاخلاص فى قوله مخلصين ومن العمل فى قوله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قال وذلك المجموع كله هو دين الملة المستقيمة المعتدلة فكما أن مجموع الاعضاء بدن واحد كذلك هذا المجموع دين واحد.