التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٦٨
قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
٦٩
مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٧٠
-يونس

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (عندكم): متعلق بالاستقرار، و(من سلطان) فاعل به؛ لأن المجرور والظرف إذا نفى يرفع الفاعل بالاستقرار، و(متاع): خبر، أي: ذلك متاع... الخ.
يقول الحق جل جلاله: { قالوا } أي: المشركون، ومن تبعهم: { اتخذ الله ولداً } أي: تبنّاه كالملائكة وغيرهم، { سبحانه } أي: تنزيهاً له عما يقول الظالمون، فإن التبني لا يصح إلا ممن يتصور منه الولد، { هو الغني } عن كل شيء، مفتقر إليه كلُّ شيء، والولد مسبب عن الحاجة، والحق تعالى { له ما في السماوات وما في والأرض } ملكاً وعبيداً، فلا يفتقر إلى اتخاذ الولد، وهو الغني بالإطلاق، لا يحتاج إلى من يعينه، واجب الوجود لا يفتقر إلى من يخلفة في ملكه. { إن عندكم } أي: ما عندكم { من سلطان } أي: برهان { بهذا }، بل افتريتموه من عندكم، { أتقولون على الله ما لا تعلمون }، وهو توبيخ وتقريع على اختلاقهم وجهلهم، وفيه دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة، وأن العقائد لا بد فيها من قاطع، وأن التقليد فيها غير سائغ. قاله البيضاوي.
قلت: والتحقيق أن إيمان المقلّد صحيح، وأن تقليد الأنبياء والرسل والكتب السماوية صحيح مكتفٍ عن الدليل.
ثم هدد أهل الشرك فقال: { قل إن الذين يفترون على الله الكذبَ } باتخاذ الولد وإضافة الشريك إليه، { لا يُفلحون }: لا ينجون من النار، ولا يفوزون بالجنة، إنما ذلك الافتراء { متاع في الدنيا } يقيمون به رئاستهم في الكفر، فيتمتعون به قليلاً، أو لهم تمتع في الدنيا مدة أعمارهم، { ثم إلينا مرجعُهُم } بالموت، فيلقون الشقاء المؤبد، { ثم نُذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون }.
الإشارة: إظهار الكائنات من الغيب إلى الشهادة كلها على حد سواء في الاختراع والافتقار، ليس بعضها أقرب من بعض، وأما قوله: ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "الخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ وَأَحَبُّ الخَلْقِِِ إلى اللَّهِ أَنفَعُهُم لِعِيَالِهِ". فمعناه أنهم في حفظه وكفالته مفتقرون إليه في إيصال المادة، كافتقار الولد إلى أبيه.
وأما قرب العبد من ربه بطاعته فمعناه قرب محبة ورضا، لا قرب مسافة أو نسب؛ إذ أوصاف العبودية غير مجانسة لأوصاف الربوبية، بل هي بعيدة منها مع شدة قربها، ولذلك قال في الحِكَم: "إلهي ما أقربَكَ مِنَّي وما أَبعَدَني عنك..." الخ، وقد تشرق على العبد أنوار الربوبية فتكسوه حتى يغيب عن حسه ورسمه فلا يرى إلا أنوار ربه، فربما تغلبه الأنوار، فيدَّعي الاتحاد أو الحلول، وهو معذور عند أهل الباطن لسكره، وقد رفع التكليف عن السكران، فإذا صحى وبقي على دعواه قُتل شرعاً. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر بعض قصص الأنبياء عليهم السلام، تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ }.