التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ
٧٩
فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ
٨٠
فَلَمَّآ أَلْقَواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ
٨١
وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ
٨٢
-يونس

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (ما جئتم به) موصوله على من قرأ: "السحر" بلا استفهام، ومن قرأ بالاستفهام فـ"ما" مبتدأ و(جئتم) خبرها، و(السحر): بدل منه، أو خبر لمحذوف، أي: أهو السحر؟ أو مبتدأ حذف خبره، أي: السحر هو.
يقول الحق جل جلاله: { وقال فرعونُ } لما أراد معارضة موسى عليه السلام: { ائتوني بكلِّ ساحرٍ }، في قراءة الأخوين "سحَّار" { عليم }: حاذق في فنه، { فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون }، { فلما ألقَوا } حبالهم وعصيهم، فانقلبت حَيَّات في أعين الناس، يركب بعضها بعضاً، { قال } لهم { موسى ما جئتم به السحر } أي: الذي جئتم به هو السحر، لا ما سماه فرعون وقومه سحراً من معجزات العصا. وقرأ البصري: "آلسحر" أي: أيّ شيء جئتم به السحر هو؟ { إن الله سيُبْطلُه }: سيمحقه، أو سيظهر بطلانه، { إن الله لا يُصلح عملَ المفسدين } لا يثيبه ولا يديمُه، وفيه دليل على أن السحر تمويه لا حقيقة له، { ويُحقُّ الله الحقَّ بكلماته } السابقة الأزلية، أو بأوامره وقضاياه، { ولو كره المجرمون } ذلك.
الإشارة: الأكوان كلها عند اهل التحقيق شعوذة سحرية، خيالية كخيال السحر الذي يظهره المشعوذ، تظهر ثم تبطن، وليس في الوجود حقيقة إلا الواحد الأحد الفرد الصمد، فهي ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، وهي أيضاً أشبه شيء بالظلال، والظلال لا وجود لها من ذاتها، وإنما تابعة لشواخصها،ولذلك قالوا: ظلال الأشجار لا تعوق السفن عن التِّسْيار، فظلال الأكوان وأجرامها لا تعوق سفن الأفكار عن التسيار في بحار معاني الأسرار، بل تغيب عن ظلال حسها إلى فضاء شهود معانيها، فالعارف لا يحجبه عن الله شيء؛ لنفوذه إلى شهود أسرار الربوبية في كل شيء، والله تعالى أعلم.
ثم ذكر من تبع موسى، فقال: { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ }.