قلت: {إن اردت}: شرط حذف جوابه؛ لتقدم ما يدل عليه، وكذا (إن كان الله يريد أن يُغويكم)، والتقدير: إن كان يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي إن أردت ان أنصح لكم. أي: فكذلك. فهو من تعليق الشرط، كقولك: إن دخلتِ الدار، إن كلمت زيداً، فأنتِ طالق. فلا تطلق إلا بهما، ثم استأنف: (هو ربكم).
يقول الحق جل جلاله: {قالوا يا نوحُ قد جادلتنا}: خاصمتنا {فأكثرت جِدالنا}: خصامنا ومخاطبتنا، {فأتِنا بما تَعِدُنا} من العذاب، {إن كنتَ من الصادقين} في الدعوى والوعيد، فإن مناظرتك ووعظك لا يؤثر فينا. {قال} نوح عليه السلام: {إنما يأتيكم به الله} دوني {إن شاءَ} عاجلاً أو آجلاً، {وما أنتم بمعجزين} بدفع العذاب عنكم، أو الهرب منه حتى تعجزوا القدرة الإلهية، {ولا ينفعكم نُصحي إن أردتُ أن أنصح لكم}، وأراد الله {ان يُغويكم}، فإن النصح مع سابق الشقاء عنت. وهذا جواب لما أوهموا من أن جداله كلام لا طائل تحته، وهو دليل على أن إرادة الله تعالى يصح تعلقها بالإغواء، وأن خلا ف مراد الله تعالى محال. ولذلك قيل: مراد الله من خلقه ما هم عليه. ثم قال: {هو ربُكمْ}؛ خالقكم والمتصرف فيكم وفق إرادته. {وإليه تُرجعون} فيجازيكم على أعمالكم.
الإشارة: ينبغي لأهل الوغظ والتذكير أن لا يملوا ـ ولو أكثروا ـ إذا قابلهم الناس بالبعدُ والإنكار، وليقولوا: ولا ينفعكم نصحنا إن أردنا ان ننصحكم {إن كان الله يريد أن يُغويكم...} الآية.
ولما كان المقصود من القصة تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم خاطبه في أثنائها بقوله: {أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ}.