يقول الحق جل جلاله: {ولما جاء أمرنُا}: عذابنا لقوم شعيب، {نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا}، لا بعمل استحقوا به ذلك؛ إذ كل من عنده، {وأخذت الذين ظلموا الصيحةُ} قيل: صاح بهم جبريل فهلكوا، {فأصبحوا في ديارهم جاثمين}: ميتين. وأصل الجثوم: اللزوم في المكان. {كأن لم يَغْنَوا فيها} كأن لم يقيموا فيها ساعة، {ألا بعْداً لمدين كما بَعِدَتْ ثمودُ}، شبههم بهم؛ لأن عذابهم كان أيضاً بالصيحة، غير أن صيحة ثمود كانت من فوق، وصيحة مدين كانت من تحت، على ما قيل، ويدل عليه: التعبير عنهما بالرجفة في آية أخرى. والرجفة في الغالب إنما تكون من ناحية الأرض. وفي البيضاوي خلاف هذا، وهو غير جَيد.
قال قتادة: بعث الله شعيباً إلى أمتين: أصحاب الأيكة، وأصحاب مدين، فأهلك أصحاب الأيكة بالظلة، على ما يأتي، وأما أهل مدين فصاح بهم جبريل صيحة؛ فهلكوا أجمعين. قيل: وآمن بشعيب من الفئتين: تسعمائة إنسان. وكان أهل الأيكة أهل غيطة وشجر، وكان شجرهم الدَّوْم ـ وهو شجر المُقْل.
الإشارة: سبب النجاة من الهلاك في الدارين: توحيد الله، وتعظيم من جاء من عند الله. وسبب الهلاك: الإشراك بالله، وإهانة من عظمه الله. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر رسالة موسى عليه السلام بعد شعيب؛ لأنه من تلامذته، فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا}.