التفاسير

< >
عرض

فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
١١٤
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١٥
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
١١٦
مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١١٧
وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
١١٨
-النحل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { الكذب }: مفعول بتقولوا، و { هذا حلال وهذا حرام }: بدل منه، أي: لا تقولوا الكذب، وهو قولكم: { هذا حلال وهذا حرام }، و { ما } في قوله: { لما تصف }؛ ويجوز أن ينتصب الكذب بـ { تصف }، ويكون "ما" مصدرية. ويكون قوله: { هذا حلال وهذا حرام } معمولاً لتقولوا، أي: لا تقولوا: هذا كذا وهذا كذا؛ لأجل وصف ألسنتكم الكذب.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيبًا }، أمرهم بأكل ما أحل لهم، وشُكر ما أنعم عليهم، بعد ما زجرهم عن الكفر، وهددهم عليه، بما ذكر من التمثيل والعذاب الذي حل بهم؛ صدًا لهم عن صنيع الجاهلية ومذاهبها الفاسدة. قاله البيضاوي: { واشكروا نعمتَ الله }؛ لتدوم لكم { إن كنتم إياه تعبدون } فلا تنسبوا نعمه إلى غيره، كشفاعة الأصنام وغيرها. { إنما حرّم عليكم الميتةَ والدمَ ولحم الخنزيرِ وما أهلّ لغير الله به فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فإن الله غفور رحيم }، تقدم تفسيرها في البقرة والمائدة. قال البيضاوي: أمرهم بتناول ما أحل لهم، وعدد عليهم محرماته، ليعلم أن ما عداها حل لهم. ثم أكد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم بقوله: { ولا تقولوا لما تَصفُ ألسنتُكم الكذبَ هذا حلالٌ وهذا حرام } لما لم يحله الله ولم يحرمه، كما قالوا:
{ { مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا... } [الأنعام: 139] الآية. هـ. تقولون ذلك؛ { لتفتروا على الله الكذب } بنسبة ذلك إليه. { إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون } أبدًا؛ لأنهم تعجلوا فلاح الدنيا بتحصيل أهوائهم، فحُرموا فلاح الآخرة، ولذلك قال: { متاع قليل } أي: لهم تمتع في الدنيا قليل، يفنى ويزول. { ولهم عذاب أليم } في الآخرة.
{ وعلى الذين هادوا حرّمنا ما قصَصنَا عليك من قبل } في سورة الأنعام بقوله
{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } [الأنعام: 146] الآية، { وما ظلمناهم } بالتحريم، { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }؛ حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه. ذكر الحق تعالى ما حرم على المسلمين، وما حرم على اليهود؛ ليعلم أن تحريم ما عدا ذلك افتراء على الله. والله تعالى أعلم.
الإشارة: يقول الحق - جلّ جلاله -، لمن بقي على العهد؛ من شكر النعم؛ بالإقرار بفضل الواسطة: { فكلوا مما رزقكم الله } من قوت اليقين وفواكه العلوم، { واشكروا نعمة الله } إن كنتم تخصونه بالعبادة وإفراد الوجهة. إنما حرَّم عليكم ما يشغلكم عنه، كجيفة الدنيا والتهارج عليها، ونجاسة الغفلة، وما يورث القساوة والبلادة، وقلة الغيرة على الحق، وما قبض من غير يد الله، أو ما قصد به غير وجه الله، إلا وقت الضرورة فإنها تبيح المحذور. والله تعالى أعلم.
ثم حض على التوبة لمن وقع في شيء من هذا