التفاسير

< >
عرض

أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ
٤٥
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ
٤٦
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
٤٧
-النحل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { مكروا السيئات }: صفة لمحذوف، أي: المكرات السيئات، والتخوّف، قيل: معناه: التنقص، وهو أن تنقصهم شيئًا فشيئًا. رُوي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم توقف في معناها، فقال على المنبر: ما تقولون فيها؟ فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، فقال: هذه لغتنا، التخوف: التنقص. فقال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ فقال: نعم. قال شاعرنا أبو كثير يصف ناقته:

تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدَاًكَمَا تَخوَّفَ عُودَ النَّبَْعةِ السفَنُ

فقال عمر: عليكم بديوانكم؛ لا تضلوا، قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية؛ فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم. هـ.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { أفأمِنَ الذين مَكروا } المكرات السيئات برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين، حيث قصدوا ردّ دينه، وصدوا الناس عن طريقه، { أن يَخْسِفَ اللهُ بهم الأرض } كما خسف بقارون، { أو يأتيهُم العذاب من حيث لا يشعرون } أي: بغتة من حيث لا يظنون، كما فعل بقوم لوط، { أو يَأخذهم في تقلبهم }؛ في متاجرهم ومسايرهم في طلب معاشهم، { فما هم بمعجزين }؛ بفائتين قدرتنا حتى نعجز عن أخذهم، { أو يأخذهم على تَخوُّفٍ }: على تنقص، بأن ينقص أموالهم وأنفسهم، شيئًا فشيئًا، حتى يهلكوا جميعًا، من غير أن يهلكهم جملة واحدة. وعليه يترتب قوله: { فإن ربكم لرؤوف رحيم } حيث لم يهلكهم دفعة واحدة، أو: على تخوف: على مخافة بأن يهلك قومًا قبلهم، فيتخوفوا، فيأتيهم العذاب وهم متخوفون. وهو قسيم قوله: { وهم لا يشعرون }، وقوله: { فإن ربكم لرؤوف رحيم } أي: حيث لم يعاجلكم بالعقوبة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ما خوف به أهل المكر بالأنبياء والرسل، يُخوف به أهل المكر بالأولياء والمنتسبين، وقد تقدم هذا مرارًا.
ثمَّ أمر بالتفكر والاختيار لأنه سبب النجاة من الاغترار