التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٠٤
-البقرة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: يقال راعى الشيء يراعيه مراعاة: انتظره أو التفت إليه. ويقال: رَعَى إلى الشيء، وراعاه وأرعاه: إذا أصغى إليه واستمعه.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا } للرسول صلى الله عليه وسلم: { رَاعِنَا } أي: انتظرنا أو أمهل علينا لأن في ذلك ذريعة لسب اليهود، أو قلة أدب، وقولوا: { انظُرْنَا } أي: انتظرنا { وَلِلْكَافِرِينَ } المؤذين لرسول الله صلى الله عليه وسلم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: موجع.
الإشارة: حسنُ الخطاب من تمام الآداب، وتمام الآداب هو السبب الموصل إلى عين الصواب، فمن لا أدب له لا تربية له، ومن لا تربية له لا سَيْر له، ومن لا سير له لا وصول له، فمن لا يتربى على أيدي الرجال لا يُربى الرجال، وقد قالوا: من أساء الأدب مع الأحباب طُرد إلى الباب، ومن أساء الأدب في الباب طرد إلى سياسة الدواب. وقالوا أيضاً: اجعل عملك ملحاً، وأدبك دقيقاً. وقال آخر: إن الإنسان ليبلغ بالخلق وحسن الأدب إلى عظيم الدرجات وهو قليل العمل، ومن حرم الأدب حُرم الخيرَ كله، ومن أُعطي الأدب فقد مُكن من مفاتيح القلوب.
قال أبو عثمان رضي الله عنه: الأدب عند الأكابر وفي مجالس السادات من الأولياء يبلغ بصاحبه إلى الدرجات العلا والخير في الدنيا والعقبى. وقال أبو حفص الحداد رضي الله عنه: التصوّف كله آدب، لكل وقت أدب، ولكل حال أدب، ولكل مقام أدب، فمن لازم الأدب بلغ مبلغ الرجال، ومن حرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب، مردود من حيث يرجوا الوصول. وقال ذو النون المصري رضي الله عنه: (إذا خرج المريد عن استعمال الأدب فإنه يرجع من حيث جاء). وقيل: من لم يتأدب لوقت فوقته مقت. وقيل: من حَبَسه النسب أطلقه الادب، ومن قل أدبه كثر شغبه. وقيل: الأدب سند الفقراء، وزينة الأغنياء. هـ. وبالله التوفيق.