التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ
٥١
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٥٢
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
٥٣
-البقرة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { أربعين }: مفعول لواعدنا، لا ظرف، و { العجل }: مفعول أول، والثاني محذوف، أي: اتخذتموه إليهاً، و { الفرقان }: معطوف على { الكتاب }.
يقول الحقّ جلّ جلاله: واذكروا أيضاً حين { وَاعَدْنَا مُوسَى } أن يصوم { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } بأيامها متواصلة، وذلك حين طلبتم منه أن ينزل عيه الكتاب فيه بيان الأحكام، ثم لما صامها، وهي: ذو القعدة وعشر ذي الحجة، وأتى إلى المناجاة، كفرتم، و { اتَّخَذْتُمُ الْعَجْلَ } الذي صاغه السامِريُّ من الحُليّ، الذي أخذته نساء بني إسرائيل من القبط عارية، ففرّوا به ظنّاً منهم أنه حلال، فقال لهم هارون عليه السلام: لا يحل لكم، فطرحوه في حفرة، فصاغ منه السامري صورة العجل، وألقى في جوفه قبضة أخذها من تحت حافر فرس جبريل عليه السلام حين عبر معهم البحر، فجعل يخور، فقال السامري:
{ هَذَآ إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى } [طه: 88]، { وأنتم ظالمون } في عبادته، { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم } بالتوبة وقتل النفس على ما يأتي، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }، فلا فلا تعصون نعمة، { و } اذكروا أيضاً { إذْ آتينا موسَى الكِتَابَ } الذي طلبتم، وهو التوراة، وهو { الفرقان } الذي فرقنا فيه بين الحق والباطل، كي تهتدوا إلى الصواب فتنجوا من العذاب.
الإشارة: ما زالت الأشياخ والأولياء الأقدمون ينتحلون طريق سيدنا موسى عليه السلام في استعمال هذه الأربعين، ينفردون فيها إلى مولاهم، مؤانسة ومناجاة، وفي ذلك يقول ابن الفارض رضي الله عنه:

وصِرْتُ مُوسَى زَمَاني مذ صارَ بَعْضِيَ كُلِّي

وقال:

صارتْ جِبالِيَ دكّاً مِنْ هَيْبَةِ المُتَجَلِّي

فيفارقون عشائرهم وأصحابهم في مناجاة الحبيب، والمؤانسة بالقريب، فمن أصحابهم مَن يبقى على عهده في حال غيبة شيخه، من المجاهدة والمشاهدة، ومنهم مَن تسرقه العاجلة فيرجع إلى عبادة عجل حظه وهواه؛ فيظلم نفسه بمتابعة دنياه، فإن بادر بالتوبة والإقلاع، ورجع إلى حضرة شيخه بالاستماع والاتباع، وقع عنه العفو والغفران ورجا ما كان يؤمله من المشاهدة والعيان، وإلا باء بالعقوبة والخسران، وكل مَن اعتزل عن الأحباب والعشائر والأصحاب، طالباً جمع قلبه، ورضى ربه، فلا بد أن ترد عليه أسرار ربانية ومواهب لدنية، من لدن حكيم عليم، يظهر بها الحق، ويدفع بها الباطل، فيفرق بين الحق والباطل. والله تعالى أعلم.