التفاسير

< >
عرض

وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ
٧٤
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٧٥
وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ
٧٦
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ
٧٧
-الأنبياء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { ولوطًا }: إما مفعول بمحذوف يُفسره قوله: { آتيناه } أي: وآتينا لوطًا، أو: باذكر. و { نوحًا }: مفعول باذكر.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { ولوطًا آتيناه حُكمًا } أي: حكمة، أو نبوة، أو فصْلاً بين الخصوم بالحق، { وعلمًا } بِنَا وبما ينبغي علمه للأنبياء - عليهم السلام - من علم السياسة، { ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائثَ }؛ اللواطة، وقذف المارة بالحصى، وغيرها، وصفت بصفة أهلها، وأسندت إليها على حذف مضاف، أي: من أهل القرية، بدليل قوله: { إِنهم كانوا قوم سَوْءٍ فاسقين }: خارجين عن طاعة الله ورسوله. { وأدخلناه في رحمتنا } أي: في أهل رحمتنا، أو جنتنا، { إنه من الصالحين } الذين صلحت ظواهرهم وبواطنهم، فنجيناه؛ جزاء على صلاحه، كما أهلكنا قريته؛ عقابًا على فسادهم.
{ و } اذكر { نوحًا }، وقدّم هؤلاء عليه؛ لتعلقهم بإبراهيم، أي: خبره، { إِذْ نادى } أي: دعا الله تعالى على قومه بالهلاك، أي: اذكر نبأه الواقع وقت دعائه، { من قبلُ } هؤلاء المذكورين، { فاستجبنا له } دعاءه الذي من جملته قوله:
{ { أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } [القَمَر: 10]، { فنجيناه وأهله } المؤمنين به، من ولده وقومه، { من الكرب العظيم }، وهو الطوفان وتكذيب أهل الطغيان. وأصل الكرب: الغم الشديد، { ونصرناه } نصرًا مستتبعًا للانتقام، { من القوم الذين كذبوا بآياتنا } أي: منعناه من إذايتهم، { إِنهم كانوا قومَ سَوْءٍ }، تعليل لما قبله، { فأغرقناهم أجمعين }، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم؛ لأن الإصرار على تكذيب الحق، والانهماك في الشر والفساد، مما يُوجب الإهلاك العام. والله تعالى أعلم.
الإشارة: نبي الله لوط عليه السلام لمَّا هاجر من أرض الظلمة إلى الأرض المقدسة، أعطاه الله العلم والحكمة. فكل من هاجر من الغفلة إلى محل الذكر واليقظة، وهجر ما نهى الله عنه عوَّضه الله علمًا بلا تعلم، وأجرى على لسانه ينابيع الحكمة. قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه: إذا اعتقدت النفس على ترك الآثام، جالت في الملكوت، وعادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة، من غير أن يُؤدِّيَ إليها عالمٌ علمًا. ومصداقه الحديث:
"من عمل بما يعلم، ورثه الله عَلْمَ ما لم يعلم"
. ولمَّا أجهد نفسه في تغيير المنكر نجّاه الله من أذاهم وما لحق بهم، وكذلك نبيه نوح عليه السلام؛ لما دعا قومه إلى الله، وأجهد نفسه في نصحهم، نجاه الله من شرهم وجعل النسل من ذريته، فكان آدم الأصغر. وهذه عادة الله تعالى في خواصه، يُكثر فروعهم، ويجعل البركة في تركتهم. وبالله التوفيق.
ثمَّ ذكر داوود وسليمان عليهما السلام