التفاسير

< >
عرض

وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ
٨٥
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
٨٦
-الأنبياء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } اذكر { إِسماعيلَ } بن إبراهيم، وكان أكبر من إسحاق، { وإِدريسَ } واسمه: أخنوخ بن شيث بن آدم. قاله النسفي { وذا الكفل } وهو إلياس، أو زكريا، أو يوشع بن نون، قلت: كونه زكريا بعيد؛ لأنه سيذكره بخصُوصه بعدُ. وسُمي ذا الكفل؛ لأنه ذو حظ من الله، والكفل: الحظ. أو تكفل بضعف عمل أنبياء زمانه، أو بصيام النهار وقيام الليل. وقال أبو موسى الأشعري: إنَّ ذا الكفل لم يكن نبيًا، ولكنه كان عبدًا صالحًا، تكفل بعمل رجل صالح عند موته، وكان يُصلي لله تعالى، في كل يوم، مائة صلاة، فأحسن الله عليه الثناء. هـ. وقال عمر بن عبد الله بن الحارث: إن نبيًا من الأنبياء قال: من تكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب؟ فقال شاب: أنا، فمات ذلك النبي، فجلس ذلك الشاب يقضي بين الناس، فجاءه الشيطان في صورة إنسان؛ ليُغضبه وهو صائم، فضرب الباب ضربًا شديدًا، فقال: من هذا؟ فقال: رجل له حاجة، فأرسل له رجلاً، فلم يرض، ثم أرسل معه آخر، فلم يرض، فخرج إليه فأخذ بيده فانطلق معه إلى السوق، ثم خلاه وذهبَ، فسُمي ذا الكفل. هـ.
{ كلٌّ من الصابرين } أي: كل واحد من هؤلاء موصوف بالصبر التام على مشاق التكليف وشدائد النوب، { وأدخلناهم في رحمتنا }؛ في النبوة، أو في الآخرة، { إنهم من الصالحين } أي: الكاملين في الصلاح الذي لا تحوم حوله شائبة الفساد، وهم الأنبياء، فإن صلاحهم معصوم من كدر الفساد. والله تعالى أعلم.
الإشارة: قد مدح الله هؤلاء السادات بخصلتين، من تحقق بهما: التحق بهم، وانخرط في سلكهم: الصبر على مشاق الطاعة، وعلى ترك المعصية، وفي حال البلية. والصلاح، وهو: إصلاح الظاهر بالشريعة، وإصلاح الباطن بنور الحقيقة. فمن تحقق بهاتين الخصلتين كان من المقربين مع النبيين والصديقين. وبالله التوفيق.
ثمَّ ذكر يونس عليه السلام