التفاسير

< >
عرض

وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ
٢١٠
وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ
٢١١
إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ
٢١٢
فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ
٢١٣
-الشعراء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جل جلاله: { وما تنزلت به }؛ بالقرآن، { الشياطينُ }، رداً لما يزعمه الكفرة من أنه من قبيل ما تلقيه الشياطين على الكهنة، بعد تحقيق الحق فيه، ببيان أنه نزل به الروح الأمين. { ما ينبغي لهم } أي: وما يصح وما يستقيم لهم ذلك، { وما يستطيعون } إنزاله أصلاً، { إنهم عن السمع } أي: عن استراقة السمع من الملائكة { لمعْزولُونَ }؛ لممنوعون بالشهب، أو: لانتفاء المشاركة بينهم وبين الملائكة في قبول الاستعداد؛ لفيضان أنوار الحق، والانتعاش بأنوار العلوم الربانية والمعارف القدسية؛ لأن نفوس الشياطين خبيثة ظلمانية شريرة، ليست مستعدة إلا لقبول ما لا خير فيه، من فنون الشرور، فمن أين لهم أن يحوموا حول القرآن الكريم، المنطوي على الحقائق الرائقة الغيبية، التي لا يمكن تلقيتها إلا من الملائكة الكرام - عليهم السلام؟.
{ فلا تدعُ مع الله إلهاً آخر }؛ كما هو شأن الأنفس الخبيثة الشيطانية، { فتكونَ من المعذِّبين }، تهديد لغيره على سبيل التعريض، وتحريك له على زيادة الإخلاص، وتنبيه لسائر المكلفين على أن الإشراك بلغ من القبح والسوء، بحيث ينهى عنه من لا يمكن صدوره منه، فكيف بمن عداه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: وحي الإلهام الذي يتنزل على القلوب الصافية من الأغيار، كوحي الأحكام، ما تتنزل به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون؛ لأنهم ممنوعون من قلوب العارفين؛ لِمَا احتفت به من الأنوار، وما صانها من الأسرار، أعني أنوار التوحيد وأسرار التفريد. وقال في لطائف المنن: إذا كان الحق تعالى حرس السماء من الشياطين بالشُهب، فقلوب أوليائه أولى بأن يحرسها من الأغيار. هـ. بالمعنى: فلا تدع مع الله إلهاً آخر، وهو ما سوى الله، فتكون من المعذبين بوساوس الشياطين والخواطر والشكوك؛ لأن القلب إذا مال إلى غير الله سلط الله عليه الشيطان، فيكون ذلك القلب جراباً للشيطان، يحشو فيه ما يشاء. والعياذ بالله.
ثم أمر نبيّه بالإنذار والتذكير، فقال: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ... }